الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: أرضُ الصُّلحِ


أرضُ الصُّلحِ: هيَ كُلُّ أرضٍ صالَحَ أهلُها عليها [308] أرضُ الصُّلحِ هيَ الأرضُ التي فتَحَها المُسلِمونَ صُلحًا، وصالَحوا عليها أهلَها لتَكونَ لَهم، ويُؤَدُّونَ خَراجًا مَعلومًا، فهذه الأرضُ مِلكٌ لأربابِها، وهذا الخَراجُ في حُكمِ الجِزيةِ، مَتى أسلَموا سَقَطَ عنهم، ولَهم بَيعُها وهِبَتُها ورَهنُها؛ لأنَّها مِلكٌ لَهم، وكَذلك كُلُّ أرضٍ أسلَمَ عليها أهلُها، فهذه مِلكٌ لأربابِها، لا خَراجَ عليها، ولَهمُ التَّصَرُّفُ فيها كَيفَ شاؤوا. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/22). ، وهي على قِسمَينِ:
القِسمُ الأوَّلُ: ما فُتِحَت صُلحًا على أن تَكونَ الأرضُ لأهلِها، ويوضَعَ عليها خَراجٌ يُؤَدُّونَه سَنَويًّا، وهذا الخَراجُ في حُكمِ الجِزيةِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [309] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 271)، (البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 112، 122،113). ، والمالِكيَّةِ [310] ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 568)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/ 569). ، والشَّافِعيَّةِ [311] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (7/ 326)، ((روضة الطالبين)) للنووي (6/ 354). ، والحَنابِلةِ [312] ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 192)، ((الإقناع)) للحجاوي (2/ 32). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [313] قال الزَّيلَعيُّ: (السَّوادُ وما فُتِحَ عَنوةً وأُقِرَّ أهلُها عليها، أو فُتِحَ صُلحًا: خَراجيَّةٌ؛ لأنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه حينَ فتَحَ السَّوادَ وضَعَ عليهمُ الخَراجَ بمَحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، ووضَعَ على مِصرَ حينَ فتَحَها عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه، وأجمَعَتِ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم على وَضعِ الخَراجِ على الشَّامِ). ((تبيين الحقائق)) (3/ 271). وقال ابنُ رَجَبٍ الحَنبَليُّ: (أمَّا أرضُ الكُفَّارِ التي صالَحونا على أنَّها لَهم، ولَنا عليها الخَراجُ، فيَثبُتُ الخَراجُ عليها أيضًا، بحَسَبِ ما صالَحوا عليه، وهذا كُلُّه مُجمَعٌ عليه في الجُملةِ، لا يُعلَمُ فيه خِلافٌ). ((الاستخراج لأحكام الخراج)) (ص: 20). وعَنِ الإمامِ أحمَدَ رِوايةٌ على أنَّها ليس عليها خَراجٌ، (قال المَيمونيُّ: والذي لا شَكَّ فيه مِن قَولِ أبي عَبدِ اللهِ -غَيرَ مَرَّةٍ-: أنَّ أرضَ أهلِ الذِّمَّةِ التي في الصُّلحِ ليس عليها خَراجٌ، إنَّما يُنظَرُ إلى ما أخرَجَت يُؤخَذُ مِنهمُ العُشرُ مَرَّتَينِ). ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/38). ويُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/322). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه حينَ فتَحَ العِراقَ وضَعَ عليهمُ الخَراجَ بمَحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ، ووضَعَ على مِصرَ حينَ فتَحَها عَمرُو بنُ العاصِ، وأجمَعَتِ الصَّحابةُ على وضعِ الخَراجِ على الشَّامِ [314] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 271)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 113). .
ثانيًا: لأنَّ وظيفةَ الأرضِ في الأصلِ الخَراجُ، فتَبقى خَراجيَّةً، ولأنَّ وضعَ الخَراجِ على الكافِرِ ابتِداءً أليَقُ به [315] ((الاختيار لتعليل المختار)) للموصلي (4/ 142). .
القِسمُ الثَّاني: ما صالَحوا عليه على أن تَكونَ الأرضُ للمُسلِمينَ وتُقَرَّ بأيديهم يَعمَلونَ فيها ويُؤَدُّونَ خَراجَها، يَكونُ فَيئًا، نَصَّ عليه الشَّافِعيَّةُ [316] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (3/ 57)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/ 234). ، والحَنابِلةُ [317] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 219). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/ 309). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أجلى اليَهودَ والنَّصارى مِن أرضِ الحِجازِ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا ظَهَرَ على أهلِ خَيبَرَ أرادَ أن يُخرِجَ اليَهودَ مِنها، وكانَتِ الأرضُ لَمَّا ظَهَرَ عليها لليَهودِ وللرَّسولِ وللمُسلِمينَ، فسَألَ اليَهودُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَترُكَهم على أن يَكْفوا العَمَلَ ولَهم نِصفُ الثَّمَرِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نُقِرُّكُم على ذلك ما شِئنا، فأُقِرُّوا حَتَّى أجلاهم عُمَرُ في إمارَتِه إلى تَيماءَ وأريحا)) [318] أخرجه البخاري (3152) واللفظ له، ومسلم (1551). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صالَحَهم على أنَّ الأرضَ للمُسلِمينَ دونَهم [319] ((المغني)) لابن قدامة (2/ 309). .
2- ما جاءَ في جَلاءِ بَني النَّضيرِ، وفيه ((... غَدا على بَني النَّضيرِ بالكَتائِبِ، فقاتَلَهم حَتَّى نَزَلوا على الجَلاءِ، فجَلَت بَنو النَّضيرِ، واحتَمَلوا ما أقَلَّتِ الإبِلُ مِن أمتِعَتِهم وأبوابِ بُيوتِهم وخَشَبِها، فكان نَخلُ بَني النَّضيرِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً، أعطاه اللهُ إيَّاها وخَصَّه بها، فقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ [الحشر: 6] ، يَقولُ: بغَيرِ قِتالٍ، فأعطى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثَرَها للمُهاجِرينَ، وقَسَمَها بَينَهم، وقَسَمَ مِنها لرَجُلَينِ مِنَ الأنصارِ، وكانا ذَوَي حاجةٍ، لم يُقسَمْ لأحَدٍ مِنَ الأنصارِ غَيرِهما، وبَقيَ مِنها صَدَقةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التي في أيدي بَني فاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنها)) [320] أخرجه أبو داود (3004) واللفظ له، وعبد الرزاق (9733)، والبيهقي (18888)، مِن حَديثِ رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.  صَحَّحَ إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (7/385)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3004)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3004). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحَديثِ أنَّ ما تَرَكَه بَنو النَّضيرِ مِنَ الغَنائِمِ فَيئًا اختَصَّ بالتَّصَرُّفِ فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّه مِمَّا أفاءَ اللهُ على رَسولِه [321] ((المغني)) لابن قدامة (2/ 309). .

انظر أيضا: