الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: أرضُ العَنوةِ


إذا فُتِحَتِ البِلادُ عَنوةً -وهيَ الأرضُ التي فتَحَها المُسلِمونَ بالقِتالِ- فإنَّ الإمامَ يُخَيَّرُ فيها بَينَ أن يَقسِمَها بَينَ الغانِمينَ وبَينَ أن يوقِفَها على المُسلِمينَ ويَضرِبَ عليها خَراجًا مُستَمِرًّا يُؤخَذُ مِمَّن هيَ في يَدِه، وهذا مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [295] ((الهداية)) للمرغيناني (2/ 384)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 138). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 118). ، والحَنابِلةِ [296] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 341)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 190). ، وقَولٌ عِندَ المالِكيَّةِ [297] ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (1/321)، ((تحبير المختصر)) لبهرام (2/ 482). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [298] قال ابنُ تيميَّةَ: (مَن تَدَبَّرَ الآثارَ المَنقولةَ عَلِمَ بالاضطِرارِ أنَّ مَكَّةَ فُتِحَت عَنوةً، ومَعَ هذا فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُقَسِّمْ أرضَها... ففَتَحَ خَيبَرَ عَنوةً وقَسَّمَها، وفَتَحَ مَكَّةَ عَنوةً ولَم يُقَسِّمْها؛ فعُلِمَ جَوازُ الأمرَينِ). ((مجموع الفتاوى)) (20/574). ، وابنِ القَيِّمِ [299] قال ابنُ القَيِّمِ: (فعُلِمَ أنَّ الأرضَ لا تَدخُلُ في الغَنائِمِ، والإمامُ مُخَيَّرٌ فيها بحَسَبِ المَصلَحةِ، وقد قَسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَرَكَ، وعُمَرُ لم يُقَسِّمْ، بَل أقَرَّها على حالِها وضَرَبَ عليها خَراجًا مُستَمِرًّا في رَقَبَتِها يَكونُ للمُقاتِلةِ، فهذا مَعنى وقفِها ... ومِمَّا يَدُلُّ على ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَسَّمَ نِصفَ أرضِ خَيبَرَ خاصَّةً، ولَو كان حُكمُها حُكمَ الغَنيمةِ لَقَسَّمَها كُلَّها). ((زاد المعاد)) (3/108). ، وابنِ عُثَيمين [300] قال ابنُ عُثَيمينَ: (إذا فُتِحَتِ البِلادُ عَنوةً فإنَّ الإمامَ يُخَيَّرُ فيها بَينَ أن يُقَسِّمَها بَينَ الغانِمينَ، وبَينَ أن يوقِفَها على المُسلِمينَ ويَضرِبَ عليها خَراجًا مُستَمِرًّا تُؤخَذُ مِمَّن هيَ في يَدِهـ). ((الشرح الممتع)) (2/500). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1-عن سَهلِ بنِ أبي حَثمةَ، قال: ((قَسَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيبَرَ نِصفَينِ: نِصفًا لنَوائِبِه وحاجَتِه، ونِصفًا بَينَ المُسلِمينَ، قَسَمَها بَينَهم على ثَمانيةَ عَشَرَ سَهمًا)) [301] أخرجه أبو داود (3010)، والطبراني (6/102) (5634)، والبيهقي (12953). صَحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (460)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3010): حَسَنٌ صحيحٌ، وصحَّح إسنادَه ابُن حجر في ((فتح الباري)) (6/234)، والعيني في ((نخب الأفكار)) (12/356)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3010)، وجَوَّده محمد ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (4/613). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على جَوازِ الأمرَينِ مَعًا؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فعَلَ الأمرَينِ: قَسَمَ الأراضيَ المَفتوحةَ عَنوةً، وتَرَكَ [302] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/ 308)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/574). .
2- عن بُشَيرِ بنِ يسارٍ، قالَ: ((لمَّا أفاءَ اللهُ على نبيِّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم خيبرَ قَسَمَها على ستَّةٍ وثلاثينَ سَهمًا، جمعَ كلُّ سَهمٍ مائةَ سَهمٍ، فعزلَ نصفَها لنوائبِه وما ينزلُ بِه: الوَطيحةَ [303] الوطيحةَ: حِصنٌ مِن حُصونِ خَيبَرَ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/203). والكُتَيبةَ [304] الكُتَيْبةَ: اسمٌ لبَعضِ قُرى خَيبَرَ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/149)، ((لسان العرب)) لابن منظور (1/702). وما أحيزَ معَهُما، وعزلَ النِّصفَ الآخرَ فقَسمَه بينَ المسلِمينَ: الشِّقَّ والنَّطاةَ [305] الشِّقَّ والنَّطاةَ: اسما حِصنَينِ مِن حُصونِ خَيبَرَ. يُنظر: ((طلبة الطلبة)) للنسفي (ص: 122)، ((تاج العروس)) للزبيدي (11/131). وما أحيزَ معَهُما، وكان سَهمُ رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم فيما أحيزَ معَهما)) [306] أخرجه أبو داود (3013)، والبيهقي (12955) واللفظ لهما، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (1768). صَحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3013)، وصَحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3013). .
ثانيًا: من الآثار
قال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: (أما والذي نَفسي بيَدِه لَولا أن أترُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا ليس لَهم شَيءٌ، ما فُتِحَتْ عليَّ قَريةٌ إلَّا قَسَمتُها كما قَسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيبَرَ، ولَكِنِّي أترُكُها خِزانةً لَهم يَقتَسِمونَها) [307] أخرجه البخاري (4235). .

انظر أيضا: