الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: عَدَدُ شُهودِ الفَرعِ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ في عَدَدِ شُهودِ الفَرعِ لتَحقيقِ نِصابِ الفَرعِ عَن كُلِّ أصلٍ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُشتَرَطُ أن يَشهَدَ على شَهادةِ كُلِّ أصلٍ شاهِدانِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1316] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 238)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 120). ، والمالِكيَّةِ [1317] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 205)، ((منح الجليل)) لعليش (8/ 498). ، والشَّافِعيَّةِ [1318] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (13/ 117)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/ 293)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/389، 390). ، وقَولُ بعضِ الحَنابِلةِ [1319] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 340، 341)، ((الإنصاف)) للمرداوي (12/ 93).                    ؛ وذلك لأنَّ شَهادةَ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الأصلَينِ حَقٌّ مِن جُملةِ الحُقوقِ، والحَقُّ عِندَ القاضي لا يَثبُتُ إلَّا بحُجَّةٍ تامَّةٍ؛ لأنَّها مُلزِمةٌ للقاضي القَضاءَ، فلا بُدَّ مِنَ النِّصابِ على كُلِّ واحِدٍ منهما [1320] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 238)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 120). .
القَولُ الثَّاني: لا يُشتَرَطُ التَّعَدُّدُ في شُهودِ الفَرعِ، فيَجوزُ أن يَشهَدَ عَن كُلِّ أصلٍ شاهِدٌ واحِدٌ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [1321] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 340، 341)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 440).      ، واختيارُ ابنِ حَزمٍ [1322] قال ابنُ حَزمٍ: (الشَّهادةُ على الشَّهادةِ في كُلِّ شَيءٍ، ويُقبَلُ في ذلك واحِدٌ على واحِدٍ). ((المحلى)) (8/540). ، وابنِ عُثَيمين [1323] قال ابنُ عُثَيمينَ: (هَل يُشتَرَطُ أن يَكونَ الفَرعُ رَجُلَينِ فأكثَرَ على أصلٍ واحِدٍ، أو يَكفي على كُلِّ أصلٍ فرعٌ؟ نَقولُ: يَكفي على كُلِّ أصلٍ فرعٌ). ((الشرح الممتع)) (15/466). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلَفِ [1324] قال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (وهو قَولُ شُرَيحٍ، والشَّعبيِّ، والحَسَنِ، وابنِ شُبرُمةَ، وابنِ أبي لَيلى، والثَّوريِّ، وإسحاقَ، والبَتِّيِّ، والعَنبَريِّ، وقال إسحاقُ: لَم يَزَلْ أهلُ العِلمِ على هذا حَتَّى جاء هؤلاء). ((الشرح الكبير)) (12/108). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن حَلَفَ على يَمينِ صَبرٍ، يَقتَطِعُ بها مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ، لَقيَ اللهَ وهو عليه غَضبانُ، فأنزَلَ اللهُ تَصديقَ ذلك: إنَّ الذينَ يَشتَرونَ بعَهدِ اللهِ وأيمانِهم ثَمَنًا قَليلًا [آل عمران: 77] إلى آخِرِ الآيةِ، فدَخَلَ الأشعَثُ بنُ قَيسٍ، فقال: ما حَدَّثَكُم أبو عَبدِ الرَّحمَنِ؟ فقالوا: كَذا وكَذا، قال: فيَّ أُنزِلَت، كانَت لي بئرٌ في أرضِ ابنِ عَمٍّ لي، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: بَيِّنَتُكَ أو يَمينُه...)) [1325] أخرجه البخاري (6676)، واللفظ له، ومسلم (138). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ((بَيِّنَتُكَ أو يَمينُهـ)) أنَّ الحُكمَ مُعَلَّقٌ بالبَيِّنةِ، ولا فرقَ بَينَ واحِدٍ وبَينَ اثنَينِ في تَبيينِ الحَقِّ بذلك، فكِلاهما يَجوزُ عليه ما يَجوزُ على الواحِدِ [1326] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/541). .
ثانيًا: أنَّ الحَقَّ يَثبُتُ بشاهِدَينِ، وقد شَهِدَ اثنانِ بما يُثبِتُه، فيَثبُتُ كما لَو شَهِدا بنَفسِ الحَقِّ [1327] يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (12/108). .
ثالثًا: أنَّ شُهودَ الفَرعِ بَدَلٌ مِن شُهودِ الأصلِ، فاكتُفيَ بمِثلِ عَدَدِهم [1328] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 341)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 440). .

انظر أيضا: