الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: حُكمُ شَهادةِ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ


تُقبَلُ شَهادةُ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ ( [1182](المُرادُ انفِرادُهنَّ عَنِ الرِّجالِ، أمَّا عَدَدُ ما يُقبَلُ مِنهنَّ فسَيَأتي بَحثُه في مَسألةِ: "العَدَد المُشتَرَط عِندَ انفِرادِ النِّساءِ في الشَّهادةِ". فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ، إلَّا في الرَّضاعِ [1183] كالوِلادةِ والحَيضِ والبَكارةِ وعُيوبِ النِّساءِ، وما يَخفى على الرِّجالِ غالِبًا.                      .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عُقبةَ بنِ الحارِثِ رَضيَ اللهُ عنه: ((أنَّه تَزَوَّجَ أُمَّ يَحيى بنتَ أبي إهابٍ، قال: فجاءَت أَمَةٌ سَوداءُ، فقالت: قد أرضَعتُكُما، فذَكَرتُ ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعرَضَ عَنِّي، قال: فتَنَحَّيتُ فذَكَرتُ ذلك لَه، قال: وكَيفَ وقد زَعَمَت أنَّها قد أرضَعَتكُما؟! فنَهاه عنها)) [1184] أخرجه البخاري (2659). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((فنَهاه عَنها)) يَقتَضي فِراقَها بقَولِ الأَمَةِ المَذكورةِ، فلَو لَم تَكُن شَهادَتُها مَقبولةً ما عمِلَ بها [1185] يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (4/ 389). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الشَّافِعيُّ [1186] قال ابنُ الأثيرِ: (قال الشَّافِعيُّ: الوِلادةُ وعُيوبُ النِّساءِ مِمَّا لَم أعلَمْ مُخالِفًا لَقيتُه في أنَّ شَهادةَ النِّساءِ فيه جائِزةٌ لا رَجُلَ مَعَهنَّ). ((الشافي في شرح مسند الشافعي)) (5/478). ، والماوَرديُّ [1187] قال الماوَرديُّ: (أمَّا الوِلادةُ فلا اختِلافَ بَينَ الفُقَهاءِ في أنَّه يَجوزُ أن تُقبَلَ فيها شَهادةُ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ، وإنَّما اختَلَفوا في عِلَّةِ الجَوازِ، فعِندَ الشَّافِعيِّ أنَّه مِمَّا لا يَحضُرُه الرِّجالُ، وعِندَ أبي حَنيفةَ أنَّه مِمَّا لا يُباشِرُه إلَّا النِّساءُ). ((الحاوي الكبير)) (17/ 19). ، والقاضي عبدُ الوَهَّابِ [1188] قال القاضي عَبدُ الوهَّابِ: (جُملةُ ما تُقبَلُ فيه شَهادةُ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ ما ذَكَرناه مِن عُيوبِ النِّساءِ التي لا يَطَّلِعُ عليها سِواهنَّ مِنَ الوِلادةِ والاستِهلالِ والرَّضاعِ وما أشبَهَ ذلك، ولا خِلافَ في هذا إلَّا في الرَّضاعِ، فعِندَنا أنَّهنَّ يُقبَلنَ فيه بانفِرادِهنَّ عَنِ الرِّجالِ، وقال أبو حَنيفةَ: لا يُقبَلنَ فيه على انفِرادِهنَّ). ((المعونة على مذهب عالم المدينة)) (ص: 1552). ، وابنُ رُشدٍ [1189] قال ابنُ رُشدٍ: (وأمَّا شَهادةُ النِّساءِ مُفرَداتٍ -أعني النِّساءَ دونَ الرِّجالِ- فهيَ مَقبولةٌ عِندَ الجُمهورِ في حُقوقِ الأبدانِ التي لا يَطَّلِعُ عليها الرِّجالُ غالِبًا، مِثلُ الوِلادةِ والاستِهلالِ وعُيوبِ النِّساءِ. ولا خِلافَ في شَيءٍ مِن هذا إلَّا في الرَّضاعِ). ((بداية المجتهد)) (4/ 248). ، وابنُ تَيميَّةَ [1190] قال ابنُ تيميَّةَ: (ثُمَّ الأئِمَّةُ مُتَّفِقونَ على أنَّه يُحكَمُ بلا شَهادةٍ أصلًا بَل بالنُّكولِ أوِ الرَّدِّ، وأنَّه يُحكَمُ بشَهادةِ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ في مَواضِعَ). ((مجموع الفتاوى)) (20/ 390). ، وابنُ حَجَرٍ [1191] قال ابنُ حَجَرٍ: (اتَّفَقوا على قَبولِ شَهادَتِهنَّ مُفرَداتٍ فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ، كالحَيضِ والوِلادةِ والاستِهلالِ وعُيوبِ النِّساءِ، واختَلَفوا في الرَّضاعِ، كما سَيَأتي في البابِ الذي بَعدَهـ). ((فتح الباري)) (5/ 266). ، والعَينُّي [1192] قال العَينيُّ: (اتَّفَقوا أنَّه تَجوزُ شَهادَتُهنَّ مُنفَرِداتٍ في الحَيضِ والوِلادةِ والاستِهلالِ وعُيوبِ النِّساءِ، وما لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ مِن عَوراتِهنَّ؛ للضَّرورةِ. واختَلَفوا في الرَّضاعِ). ((عمدة القاري شرح البخاري)) (13/ 222).           .
ثالثًا: أنَّ لقَبولِ شَهادَتِهنَّ في هذه الأُمورِ ضَرورةً؛ فإنَّه يَتَعَلَّقُ بها أحكامٌ يُحتاجُ إلى بَيانِها في مَجلِسِ القاضي، ويَتَعَذَّرُ إثباتُها بشَهادةِ الرِّجالِ؛ لأنَّهم لا يَطَّلِعونَ عليها، فلا بُدَّ مِن قَبولِ شَهادةِ النِّساءِ فيها [1193] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/ 142). .
رابعًا: أنَّ الحُجَّةَ لإثباتِ الحُقوقِ مَشروعةٌ بحَسَبِ الإمكانِ، ولا يُمكِنُ فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ بشَهادةِ الرِّجالِ، فجازَت شَهادةُ النِّساءِ [1194] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/ 142). .

انظر أيضا: