الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الرَّابِعةُ: حاجِبُ القاضي


اختَلَفَ الفُقَهاءُ في حُكمِ اتِّخاذِ القاضي حاجِبًا [615] حاجِبُ القاضي: هو بَوَّابُ المَحَلِّ الذي يَجلِسُ فيه القاضي. يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/138). ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُكرَهُ للقاضي أن يَتَّخِذَ حاجِبًا، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [616] يرى الحَنَفيَّةُ أنَّ الأفضَلَ ألَّا يَتَّخِذَ القاضي حاجِبًا، وعليه فحُكمُ اتِّخاذِه عِندَهم أنَّه خِلافُ الأَولى. ويَرى الحَنابِلةُ -في المُعتَمَدِ مِنَ المَذهَبِ- أنَّ المَندوبَ ألَّا يَتَّخِذَ القاضي حاجِبًا، وعليه فحُكمُ اتِّخاذِه عِندَهم أنَّه خِلافُ الأَولى. وخِلافُ الأَولى قِسمٌ مِنَ المَكروهِ، لأنَّ دَرَجاتِ المَكروهِ تَتَفاوتُ. يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/400). : الحَنَفيَّةِ [617] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/178)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/302). ، والشَّافِعيَّةِ [618] يرى الشَّافِعيَّةُ -في الصَّحيحِ مِنَ المَذهَبِ- أنَّ اتِّخاذَ الحاجِبِ فيه تَفصيلٌ؛ فإن جَلَسَ القاضي للقَضاءِ وليس عِندَه زِحامٌ فيُكرَهُ له اتِّخاذُ الحاجِبِ، أمَّا إن خَشيَ الزِّحامَ أو كانَ في وقتِ خَلوتِه فلا كَراهةَ. ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/460،461)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/286). ، والحَنابِلةِ [619] ((الإقناع)) للحجاوي (4/379)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/475). ، وهو اختيارُ الشَّوكانيِّ [620] قال الشَّوكانيُّ: (قال بَعضُ أهلِ العِلمِ: وظيفةُ البَوَّابِ أوِ الحاجِبِ أن يُطالِعَ الحاكِمَ بحالِ مَن حَضَرَ، ولا سيَّما مِنَ الأعيانِ؛ لاحتِمالِ أن يَجيءَ مُخاصِمًا، والحاكِمُ يَظُنُّ أنَّه جاءَ زائِرًا فيُعطيه حَقَّه مِنَ الإكرامِ الذي لا يَجوزُ لمَن يَجيءُ مُخاصِمًا. انتَهى. ولا شَكَّ في أنَّه يُكرَهُ دَوامُ الاحتِجابِ إن لم يَكُنْ مُحَرَّمًا). ((نيل الأوطار)) (8/ 311). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عَمرِو بنِ مُرَّةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ما مِن إمامٍ أو والٍ يُغلِقُ بابَه دونَ ذَوي الحاجةِ والخَلَّةِ والمَسكَنةِ، إلَّا أغلَقَ اللهُ أبوابَ السَّماءِ دونَ حاجَتِه وخَلَّتِه ومَسكَنَتِهـ)) [621] أخرجه أبو داود (2948)، والترمذي (1332)، وأحمد (18033) واللفظ له. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1332)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1249)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18033). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في هذا الحَديثِ وعيدٌ للوالي إذا أغلَقَ بابَه دونَ ذَوي الحاجةِ، واتِّخاذُ القاضي للحاجِبِ وسيلةٌ لذلك، فيُنهى عَن اتِّخاذِه [622] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/460)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/73). .
ثانيًا: أنَّ الحاجِبَ قد يَمنَعُ ذا الحاجةِ مِنَ الدُّخولِ على القاضي، أو يُقدِّمُ المُتَأخِّرَ على السَّابِقِ لغَرَضٍ لَه، فيُنهى القاضي عَن اتِّخاذِه [623] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/73)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/475). .
القَولُ الثَّاني: يُباحُ للقاضي أن يَتَّخِذَ حاجِبًا، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [624] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/138)، ((منح الجليل)) لعليش (8/288). ؛ وذلك لمَنعِ دُخولِ مَن لا حاجةَ له، وتَأخيرِ مَن جاءَ مُتَأخِّرًا حَتَّى يَفرُغَ السَّابِقُ مِن قَضيَّتِه [625] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (4/138). .

انظر أيضا: