الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ طَلَبِ القَضاءِ 


يُكرَهُ طَلَبُ القَضاءِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ في الجُملةِ [159] طَلَبُ القَضاءِ تَعتَريه باقي الأحكامِ؛ الوُجوبُ، والاستِحبابُ، والتَّحريمُ: فعِندَ المالِكيَّةِ: يَجِبُ طَلَبُ القَضاءِ في ثَلاثِ صورٍ، وهيَ على النَّحوِ الآتي: الأولى: مَن تَعَيَّنَ للقَضاءِ؛ لأنَّ في تَحصيلِه القيامَ بفَرضِ الكِفايةِ. الثَّانيةُ: الخائِفُ فِتنةً على نَفسِه أو مالِه أو ولَدِه أو على النَّاسِ إن لم يَتَولَّ. الثَّالِثةُ: الخائِفُ ضَياعَ حَقٍّ له أو لغَيرِه إن لم يَتَولَّ. ويُستَحَبُّ عِندَهم في صورَتَينِ، وهما على النَّحوِ الآتي: الأولى: العالِمُ الذي خَفيَ عِلمُه عَنِ النَّاسِ، فأرادَ أن يَشهَرَه بالقَضاءِ بقَصدِ إفادةِ الجاهِلِ وإرشادِ المُستَفتي. الثَّانيةُ: مَن يَرى أنَّه أنهَضُ وأنفَعُ للمُسلِمينَ مِن غَيرِه. ويَحرُمُ عِندَهم في ثَلاثِ صورٍ، وهيَ على النَّحوِ الآتي: الأولى: الجاهِلُ. الثَّانيةُ: طالِبُ دُنيا مِنَ المُتَداعيَينِ؛ لأنَّه مِن أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ. الثَّالِثةُ: أن يَقصِدَ بالوِلايةِ الانتِقامَ مِن أعدائِه ونَحوَ ذلك. وعِندَ الشَّافِعيَّةِ يَجِبُ طَلَبُ القَضاءِ على مَن تَعَيَّنَ عليه. ويُستَحَبُّ عِندَهم في ثَلاثِ صورٍ، وهيَ على النَّحوِ الآتي: الأولى: أن يوجَدَ مَن هو مِثلُه في الأهليَّةِ، لَكِنَّ الطَّالِبَ خامِلُ الذِّكرِ، ولَو وليَ القَضاءَ لاشتَهَرَ وانتَفَعَ النَّاسُ بعِلمِه، وفي وجهٍ: لا يُستَحَبُّ. الثَّانيةُ: أن يوجَدَ مَن هو مِثلُه في الأهليَّةِ، والطَّالِبُ مَشهورٌ يَنتَفِعُ النَّاسُ بعِلمِه، لَكِن لم يَكُنْ له كِفايةٌ، ولَو وليَ لَصارَ مَكفيًّا مِن بَيتِ المالِ، وفي وجهٍ: لا يُستَحَبُّ ولا يُكرَهُ. الثَّالِثةُ: مِنَ الفاضِلِ مَعَ وُجودِ المَفضولِ. ويَحرُمُ عِندَهم في صورَتَينِ: الأولى: مَن لا يَصلُحُ للقَضاءِ. الثَّانيةُ: إذا كانَ على القَضاءِ مُباشِرٌ مُستَحِقٌّ. وعِندَ الحَنابِلةِ: يُستَحَبُّ الطَّلَبُ إذا لم يَكُنْ على القَضاءِ مَن هو أهلٌ لَه، إذا قَصَدَ الحَقَّ ودَفَعَ غَيرَ المُستَحِقِّ. ويَحرُمُ عِندَهم في صورَتَينِ: الأولى: مَن لا يَصلُحُ للقَضاءِ. الثَّانيةُ: إذا كانَ على القَضاءِ مَن هو أهلٌ لَه. ولا يَجِبُ الطَّلَبُ على مَن تَعَيَّنَ عليه القَضاءُ، وظاهِرُ ذلك الإباحةُ، وفي وجهٍ: يَجِبُ عليه الطَّلَبُ، وفي وجهٍ: يَحرُمُ عليه الطَّلَبُ إن خافَ مِن نَفسِه المَيلَ. ويُباحُ الطَّلَبُ إذا لم يَكُنْ على القَضاءِ مَن هو أهلٌ للقَضاءِ، وقَصَدَ بذلك الاختِصاصَ بالنَّظَرِ.  يُنظر: ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل (7/386)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (1/17)، ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/412)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/93)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/15،16)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/456). : المالِكيَّةِ [160] عِندَ المالِكيَّةِ: يُكرَهُ طَلَبُ القَضاءِ في صورَتَينِ: الأولى: أن يَكونَ الطَّلَبُ لأجلِ الشُّهرةِ والرِّفعةِ الدُّنيَويَّةِ. الثَّانيةُ: أن يَكونَ عالِمًا عَدلًا مَشهورًا يَنفَعُ النَّاسَ بعِلمِه، وخافَ إن تَولَّى القَضاءَ ألَّا يَقدِرَ على ذلك. ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل (7/386)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (1/16، 17)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (4/130،131). ، والشَّافِعيَّةِ [161] عِندَ الشَّافِعيَّةِ: يُكرَهُ طَلَبُ القَضاءِ في صورَتَينِ: الأولى: مِنَ المَفضولِ مَعَ وُجودِ الفاضِلِ. الثَّانيةُ: أن يوجَدَ مَن هو مِثلُه في الأهليَّةِ، والطَّالِبُ مَشهورٌ ولَه كِفايةٌ. ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/411-413)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/92،93). ، والحَنابِلةِ [162] عِندَ الحَنابِلةِ: الأصلُ في طَلَبِ القَضاءِ هو الكَراهةُ. ((الإنصاف)) للمرداوي (11/156، 157)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/13-16)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/456). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ سَمُرةَ، لا تَسألِ الإمارةَ؛ فإنَّكَ إن أُوتيتَها عَن مَسألةٍ وُكِلتَ إليها، وإن أوتيتَها مِن غَيرِ مَسألةٍ أُعِنتَ عليها)) [163] أخرجه البخاري (6622) واللفظ له، ومسلم (1652). .
2- عَن أبي موسى الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: دَخَلتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا ورَجُلانِ مِن بَني عَمِّي، فقال أحَدُ الرَّجُلَينِ: يا رَسولَ اللهِ، أمِّرْنا على بَعضِ ما ولَّاكَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وقال الآخَرُ مِثلَ ذلك، فقال: ((إنَّا واللهِ لا نولِّي على هذا العَمَلِ أحَدًا سَألَه، ولا أحَدًا حَرَصَ عليهـ)) [164] أخرجه مسلم (1733). .
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثينِ:
دَلَّ الحَديثانِ على النَّهيِ عَن طَلَبِ الوِلاياتِ، والنَّهيُ فيهما مَحمولٌ على الكَراهةِ [165] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/15،16)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/456). .
ثانيًا: أنَّ سيرةَ السَّلَفِ الامتِناعُ عَنِ القَضاءِ والتَّوقِّي له والكَفُّ عَن طَلَبِه [166] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/413)، ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/506). .

انظر أيضا: