الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الرَّابِعُ: اجتِماعُ التَّعزيرِ مَعَ الكَفَّارةِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في جَوازِ اجتِماعِ التَّعزيرِ مَعَ الكَفَّارةِ [2299] كالوطءِ في نَهارِ رَمَضانَ، عليه كَفَّارةٌ، ويُعَزَّرُ بالضَّربِ أوِ الحَبسِ إن رَأى الإمامُ ذلك. ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يَجوزُ اجتِماعُ التَّعزيرِ مَعَ الكَفَّارةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [2300] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 387)، ((منح الجليل)) لعليش (2/ 154). ويُنظر: ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/ 290). ، والشَّافِعيَّةِ [2301] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 178)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 20). ، وقَولٌ للحَنابِلةِ [2302] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 239 - 240)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 121).  ، ومُقتَضى قَولِ الحَنَفيَّةِ [2303] الحَنَفيَّةُ أجازوا الجَمعَ بَينَ الحَدِّ والتَّعزيرِ كَما سَبَقَ، وحَيثُ إنَّ الغَرَضَ مِنَ التَّعزيرِ زيادةُ تَأديبٍ عِندَ عَدَمِ كِفايةِ الحَدِّ، فكذلك يُقالُ في التَّعزيرِ مَعَ الكَفَّارةِ. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 225)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 66). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ المَقصودَ مِنَ العُقوبةِ أن تَكونَ على قَدرِ ما يُرى أنَّ فيه رَدعًا لَه ولِغَيرِه، وما شُرِعَ له كَفَّارةٌ مِنَ المَعاصي قد توجِبُ الرَّدعَ في بَعضِ الأحوالِ [2304] يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 387).  .
ثانيًا: أنَّ التَّعزيرَ للتَّأديبِ، وهو حَقُّ الجَماعةِ [2305] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 247).  .
ثالِثًا: أنَّ الكَفَّارةَ حَقٌّ للهِ تعالى، وليست لأجلِ الفِعلِ، بَل بَدَلُ الفائِتِ، فأمَّا نَفسُ الفِعلِ المُحَرَّمِ -الذي هو الجِنايةُ- فلا كَفَّارةَ فيه، وإنَّما التَّعزيرُ [2306] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 121). .
القَولُ الثَّاني: لا يَجوزُ اجتِماعُ التَّعزيرِ مَعَ الكَفَّارةِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [2307] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 239 - 240)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 121).  ، واختيارُ ابنِ عُثَيمين [2308] قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: «لا حَدَّ فيها ولا كَفَّارةَ» فإن كان فيها حَدٌّ، فالحَدُّ كافٍ عنِ التَّعزيرِ، وإن كان فيها كَفَّارةٌ فالكَفَّارةُ كافيةٌ عنِ التَّعزيرِ، مِثالُ الذي فيها الحَدُّ: لَو أنَّ رَجُلًا زَنا بامرَأةٍ وهو غَيرُ مُحصَنٍ نَجلِدُه مِائةَ جَلدةٍ، ولَكِن هَل نُعَزِّرُه مَعَ ذلك؟ لا، اكتِفاءً بالحَدِّ. وكذلك المَعصيةُ التي فيها كَفَّارةٌ ليس فيها تَعزيرٌ؛ لأنَّ الكَفَّارةَ نَوعُ تَعزيرٍ، فهيَ إلزامٌ له، إمَّا بعَمَلٍ شاقٍّ، وإمَّا بمالٍ يَفدي به نَفسَهـ). ((الشرح الممتع)) (14/ 311). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المجادلة: 3-4] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
نَصَّتِ الآيةُ على الكَفَّارةِ فقَط على المُظاهِرِ، ولَم تَذكُرْ تَعزيرًا للظِّهارِ.
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: هلكْتُ يا رسولَ اللهِ! قال: وما أهلَكَك؟! قال: وقعْتُ على امرأتي في رمضانَ، قال: هل تجِدُ ما تُعتِقُ رَقَبةً؟ قال: لا. قال: فهل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابعينِ؟ قال: لا. قال: فهل تجِدُ ما تُطعِمُ سِتِّينَ مِسكينًا؟ قال: لا. قال: ثمَّ جَلَس فأُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيها تَمرٌ، فقال: تصَدَّقْ به. قال: أفقَرَ منَّا! فما بين لابَتَيْها أهلُ بَيتٍ أحوجُ إليه مِنَّا! فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه، ثمَّ قال: اذهَبْ فأطعِمْه أهلَك)) [2309] أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرَ الذي أفطَرَ في نَهارِ رَمَضانَ عَمدًا أن يُكَفِّرَ، ولَم يَقُمْ بتَعزيرِه.

انظر أيضا: