الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: أثَرُ التَّوبةِ في التَّعزيرِ لحَقِّ اللهِ


يَسقُطُ التَّعزيرُ بالتَّوبةِ إذا كان التَّعزيرُ حَقًّا للهِ عَزَّ وجَلَّ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [2310] ((المبسوط)) للسرخسي (16/ 127)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 100). ، والمالِكيَّةِ [2311] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 436)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 355). ، والشَّافِعيَّةِ [2312] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 158)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/164)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/8). ، والحَنابِلةِ [2313] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/97)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/226)، و (12/ 108)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/124). ، وحُكيَ نَفيُ العِلمِ بالخِلافِ [2314] قال القَرافيُّ: (التَّعزيرُ يَسقُطُ بالتَّوبةِ، ما عَلِمتُ في ذلك خِلافًا). ((الفروق)) (181/ 4). خالَف في ذلك الحَنابِلةُ في رِوايةٍ عنِ الإمامِ أحمَدَ: أنَّ الحُدودَ، ومِنها التَّعزيرُ إذا كان حَقًّا للهِ، لا يَسقُطُ بالتَّوبةِ. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (10/226)، و (12/ 108). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 39] .
قَولُه تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: 25] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى امتَنَّ على عِبادِه بقَبولِ تَوبَتِهم إذا تابوا ورَجَعوا إليه، وأنَّه تعالى مِن كَرَمِه وحِلمِه يَعفو ويَصفحُ ويَستُرُ ويَغفِرُ [2315] يُنظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/2077). ، وإذا قُبِلَت تَوبَتُهم ترَتَّب على ذلك سُقوطُ التَّعزيرِ عنهم.
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَجُلًا أصابَ مِنِ امرَأةٍ قُبلةً، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرَه، فأنزَلَ اللهُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114] . فقال الرَّجُلُ: يا رَسولَ اللهِ، ألي هذا؟ قال: لجَميعِ أُمَّتي كُلِّهم)) [2316] أخرجه البخاري (526) واللفظ له، ومسلم (2763). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ مَن أصابَ ذَنبًا دونَ الحَدِّ فتابَ، فلا عُقوبةَ عليه [2317] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 132)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/248). .

انظر أيضا: