الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: التَّعزيرُ بالحَبسِ


مِن أنواعِ التَّعزيرِ البَدَنيِّ: التَّعزيرُ بالحَبسِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [2184] ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (5/ 350). ((الفتاوى الهندية)) (2/ 167). ، والمالِكيَّةِ [2185] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 354)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 354 - 355). ، والشَّافِعيَّةِ [2186] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 174)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 21). ، والحَنابِلةِ [2187] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 427)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 124). ، وحُكيَ إجماعُ الصَّحابةِ على ذلك [2188] قال الزَّيلعيُّ: (ولمَّا كان بَعضُ النَّاسِ يَستَحِقُّ العُقوبةَ بسَبَبِ دَعارَتِه، والحَبسُ يَصلُحُ للعُقوبةِ، ذَكَرَه في كِتابِ القَضاءِ وجَعَله مَن جُملَتِه، وهو مَشروعٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، أمَّا الكِتابُ فقَولُه تعالى في قُطَّاعِ الطَّريقِ: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة: 33] ، والمُرادُ به الحَبسُ، وأمَّا السُّنَّةُ فلِأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ «حَبَسَ رَجُلًا بالتُّهمةِ، وحَبَسَ رَجُلًا آخَرَ مِن جُهَينةَ أعتَقَ شقصًا له في مَملوكٍ»، وأمَّا الإجماعُ فلِأنَّ الصَّحابةَ -رَضيَ اللهُ تعالى عنهم- ومَن بَعدَهم أجمَعوا عليه إلَّا أنَّ في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وزَمَنِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ -رَضيَ اللهُ تعالى عنهم- لم يَكُنْ سِجنٌ، وكان يُحبَسُ في المَسجِدِ والدِّهليزِ وبِالرَّبطِ، ولمَّا كان في زَمَنِ عَليٍّ -رَضيَ اللهُ تعالى عنه- بَنى السِّجنَ، وكان هو أوَّلَ مَن بَناه في الإسلامِ). ((تبيين الحقائق)) (4/179). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَلالةٌ على أنَّ المُذنِبَ إذا لم يُعرَفْ فيه حُكمُ الشَّرعِ فإنَّه يُمسَكُ ويُحبَسُ حتَّى يُعرَفَ فيه الحُكمُ الشَّرعيُّ، فيُنَفَّذَ فيه [2189] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 527). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن بَهزِ بنِ حَكيمٍ عن أبيه عن جَدِّه رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَبَسَ رَجُلًا في تُهمةٍ ثُمَّ خَلَّى عنه )) [2190] أخرجه أبو داود (3630)، والترمذي (1417) واللفظ له، والنسائي (4876). حَسَّنه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1417)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1114). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ الحَبسَ مَشروعٌ ولو كان لاستِظهارِ حالِ المُتَّهَمِ [2191] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 179).  .
2- عن عَمرِو بنِ الشَّريدِ عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرضَه وعُقوبَتَه )) [2192] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة التَّمريض قَبل حَديث (2401) باختلافٍ يسيرٍ، وأخرجه مَوصولًا أبو داود (3628)، والنسائي (4689) واللَّفظُ لهما. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (5089)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/656)، والشوكاني في ((الفتح الرباني)) (3/1174). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المَقصودَ بالعُقوبةِ في هذا الحَديثِ هو الحَبسُ [2193] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 179).  .

انظر أيضا: