الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ قَتيلِ أهلِ العَدلِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في قَتيلِ أهلِ العَدلِ على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: مَن قُتِلَ مِن أهلِ العَدلِ كان شَهيدًا، يُفعَلُ بهم كَما يُفعَلُ بالشُّهَداءِ [1810] يُكَفَّنونَ في ثيابِهم ولا يُغَسَّلونَ، واختَلَف أصحابُ هذا القَولِ في الصَّلاةِ عليهم؛ فيَرى الحَنَفيَّةُ الصَّلاةَ عليهم، وأمَّا الحَنابِلةُ والشَّافِعيَّةُ -في قَولٍ- فيَرَونَ عَدَمَ الصَّلاةِ عليهم. ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [1811] ((المبسوط)) للسرخسي (2/95-96)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (7/ 310). ، والحَنابِلةِ [1812] ((الإقناع في فقه الإمام أحمد)) للحجاوي (4/ 295)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 165). ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ [1813] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/ 119)، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (5/ 261). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قال اللهُ تعالى: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات: 9] .   .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مُحارَبةَ أهلِ البَغيِ مَأمورٌ بها مِنَ اللهِ، فالمَقتولُ في هذا القِتالِ باذِلٌ نَفسَه لابتِغاء مَرضاتِ اللَّهِ، فهو كالمَقتولِ في مُحارَبةِ المُشرِكينَ [1814] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/95).  .
ثانيًا: لأنَّه قُتِلَ في قِتالٍ أمَرَه اللهُ تعالى به، كشَهيدِ مَعرَكةِ الكُفَّارِ [1815] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 165). .
القَولُ الثَّاني: مَن قُتِلَ مِن أهلِ العَدلِ يَكونُ كَسائِرِ المَوتى، ولا يُفعَلُ به ما يُفعَلُ بالشَّهيدِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1816] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 67)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/193). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/140). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأظهَرِ- [1817] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/ 119)، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (5/ 261). ، ورِوايةٌ عِندَ الحَنابِلةِ [1818] ((المغني)) لابن قدامة (8/531). ، وهو قَولُ ابنِ حَزمٍ [1819] قال ابنُ حَزمٍ: (وأمَّا مَن قَتَلوه فقد قال قَومٌ: إنَّه شَهيدٌ، فلا يُغسَّلُ ولا يُصَلَّى عليه، لَكِن يُدفَنُ كَما هو، وقال آخَرونَ: بَل يُغسَّلُ ويُكَفَّنُ ويُصَلَّى عليه، وبِهذا نَأخُذُ). ((المحلى بالآثار)) (11/ 348). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن أيُّوبَ عن ابنِ أبي مُلَيكةَ قال: (دَخَلتُ على أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ بَعدَ قَتلِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، قال: وجاءَ كِتابُ عَبدِ المَلِكِ أن يُدفَعَ إلى أهلِه، فأتَيتُ به أسماءَ فغَسَّلَته وكَفَّنَته وحَنَّطَته ثُمَّ دَفنَته، قال أيُّوبُ: وأحسَبُه قال: فما عاشَت بَعدَ ذلك إلَّا ثَلاثةَ أيَّامٍ، ثُمَّ ماتَت. زادَ غَيرُه فيه: وصَلَّت عليهـ) [1820] أخرجه الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (1/224)، والبيهقي (6903) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (69/28). صَحَّح إسنادَه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/714). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها غَسَّلَتِ ابنَها وفعَلَت به ما يُفعَلُ بسائِرِ المَوتى، ولَم يُنكِرْ ذلك مُنكِرٌ [1821] يُنظر: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/ 84).  .
ثانيًا: أنَّ الأصلَ في كُلِّ مُسلِمٍ أن يُغَسَّلَ ويُكَفَّنَ ويُصَلَّى عليه إلَّا مَن خَصَّه نَصٌّ أو إجماعٌ، ولا نَصَّ ولا إجماعَ إلَّا فيمَن قَتَلَه الكُفَّارُ في المُعتَرَكِ [1822] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) (11/ 349).  .
ثالِثًا: أنَّهم وإن كانوا شُهَداءَ فليس كُلُّ شَهيدٍ يُدفَنُ دونَ غُسلٍ ولا صَلاةٍ، وقد صَحَّ أنَّ المَبطونَ شَهيدٌ، والمَطعونَ شَهيدٌ، والغَريقَ شَهيدٌ، وكُلُّ هؤلاء لا خِلافَ في أنَّهم يُغَسَّلونَ ويُكَفَّنونَ ويُصَلَّى عليهم [1823] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) (11/ 348).  .

انظر أيضا: