الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: ضَمانُ ما أتلَفَه أهلُ البَغيِ


لا ضَمانَ لِما أتلَفه أهلُ البَغيِ حالَ القِتالِ مِن نَفسٍ أو مالٍ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1800] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 296)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (6/ 106). ، والمالِكيَّةِ [1801] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 300)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 202). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأظهَرِ- [1802] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 125)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/ 172). ، والحَنابِلةِ [1803] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 473)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 316). ، وحُكيَ إجماعُ السَّلَفِ على ذلك [1804]قال ابنُ أبي شَيبةَ: (عنِ الزُّهريِّ، قال: «هاجَتِ الفِتنةُ وأصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَوافِرونَ، فأجمَعَ رَأيُهم على أنَّه لا يُقادُ ولا يودى ما أُصيبَ على تَأويلِ القُرآنِ إلَّا مالٌ يوجَدُ بعَينِهـ). ((مصنف ابن أبي شيبة)) (6/ 439). وقال السَّرَخسيُّ: (فأمَّا سُقوطُ الضَّمانِ فهو حُكمٌ ثَبَتَ باتِّفاقِ الصَّحابةِ بخِلافِ القياسِ). ((المبسوط)) (30/256). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (ما أتلَفَه أهلُ البَغيِ المُتَأوِّلونَ على أهلِ العَدلِ مَنِ النُّفوسِ والأموالِ، هَل يَضمَنونَ؟ على رِوايَتَينِ. إحداهما: يَضمَنونَه، جَعلًا لَهم كالمُحارِبينَ، وكَقِتالِ العَصَبيَّةِ الذي لا تَأويلَ فيه، وهذا نَظيرُ مَن يَجعَلُ العُقودَ والقُبوضَ المُتَأوَّلَ فيها بمَنزِلةِ ما لا تَأويلَ فيه. والثَّانيةُ: لا يَضمَنونَه، وعلى هذا اتَّفقَ السَّلَفُ). ((مجموع الفتاوى)) (22/13). وقال ابنُ القَيِّمِ: (أجمَعَ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كُلَّ مالٍ أو دَمٍ أُصيبَ بتَأويلِ القُرآنِ فهو هَدرٌ في قِتالِهم في الفِتنةِ). ((الصواعق المرسلة)) (1/ 184). ويُنظر: ((إعلام الموقعين)) (4/ 69). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُ اللهِ تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات: 9] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى أمَر بقِتالِ الفِئةِ الباغيةِ حتَّى تَرجِعَ عن بَغيِها، ولَم يَذكُرْ سُبحانَه ضَمانًا لِما أتلَفوه مِن مالٍ أو نَفسٍ [1805] يُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (3/ 377). .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عنِ الزُّهريِّ، قال: (كَتَبَ إليه سُلَيمانُ بنُ هِشامٍ يَسألُه عنِ امرَأةٍ لَحِقَت بالحَروريَّةِ وفارَقَت زَوجَها وشَهِدَت على قَومِها بالشِّركِ، وتَزَوَّجَت فيهم، ثُمَّ رَجَعَت تائِبةً، فكَتَب إليه الزُّهريُّ وأنا شاهدٌ: أمَّا بَعدُ فإنَّ فِتنةَ الأولى ثارَت وأصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِمَّن شَهدَ بَدرًا كَثيرٌ، فرَأوا أن يُهدِروا أمرَ الفِتنةِ، ولا يُقام فيها حَدٌّ على أحَدٍ مِن فَرجٍ استَحَلَّه بتَأويلِ القُرآنِ، ولا على قِصاصٍ استَحَلَّه بتَأويلِ القُرآنِ، ولا مالٍ استَحَلَّه بتَأويلِ القُرآنِ، إلَّا أن يوجَدَ شَيءٌ بعَينِه، وإنِّي أرى أن تَرُدَّها إلى زَوجِها، وأن تَحُدَّ مَنِ افتَرى عليها) [1806] أخرجه عبد الرزاق (18584)، وسعيد بن منصور (2953) واللفظ له، والبيهقي (16802). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الأثَرُ يُشيرُ إلى إجماعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على عَدَمِ التَّضمينِ فيما أُتلِفَ في قِتالِ البُغاةِ [1807] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 473).  .
ثالِثًا: أنَّ البُغاةَ طائِفةٌ مُمتَنِعةٌ بتَأويلٍ سائِغٍ، فلَم تَضمَنْ ما أتَلَفَتْ على أهلِ العَدلِ [1808] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 300)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 125).  .
رابِعًا: أنَّ تَضمينَهم يُفضي إلى تَنفيرِهم عنِ الرُّجوعِ إلى الطَّاعةِ، فسَقَطَ الضَّمانُ كَما يَسقُطُ عن أهلِ الحَربِ [1809] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 473)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 202). .

انظر أيضا: