الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: ضَمانُ ما أتلَفَه أهلُ العَدلِ


لا ضَمانَ لِما أتلَفَه أهلُ العَدلِ مِن نَفسٍ أو مالٍ حالَ قِتالِ أهلِ البَغيِ.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عنِ الزُّهريِّ، قال: (كَتَبَ إليه سُلَيمانُ بنُ هِشامٍ يَسألُه عنِ امرَأةٍ لَحِقَت بالحَروريَّةِ وفارَقَت زَوجَها وشَهِدَت على قَومِها بالشِّركِ، وتَزَوَّجَت فيهم، ثُمَّ رَجَعَت تائِبةً، فكَتَب إليه الزُّهريُّ وأنا شاهدٌ: أمَّا بَعدُ فإنَّ فِتنةَ الأولى ثارَت وأصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِمَّن شَهدَ بَدرًا كَثيرٌ، فرَأوا أن يُهدِروا أمرَ الفِتنةِ، ولا يُقام فيها حَدٌّ على أحَدٍ مِن فَرجٍ استَحَلَّه بتَأويلِ القُرآنِ، ولا على قِصاصٍ استَحَلَّه بتَأويلِ القُرآنِ، ولا مالٍ استَحَلَّه بتَأويلِ القُرآنِ، إلَّا أن يوجَدَ شَيءٌ بعَينِه، وإنِّي أرى أن تَرُدَّها إلى زَوجِها، وأن تَحُدَّ مَنِ افتَرى عليها) [1790] أخرجه عبد الرزاق (18584)، وسعيد بن منصور (2953) واللفظ له، والبيهقي (16802). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الأثَرُ يُشيرُ إلى إجماعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على عَدَمِ التَّضمينِ فيما أُتلِف في قِتالِ البُغاةِ [1791] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 473).  .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الزُّهريُّ [1792] قال ابنُ أبي شَيبةَ: (عنِ الزُّهريِّ، قال: «هاجَتِ الفِتنةُ وأصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَوافِرونَ، فأجمَعَ رَأيُهم على أنَّه لا يُقادُ ولا يودى ما أُصيبَ على تَأويلِ القُرآنِ إلَّا مالٌ يوجَدُ بعَينِه»). ((مصنف ابن أبي شيبة)) (5/ 459). ، والسَّرَخسيُّ [1793] قال السَّرَخسيُّ: (فأمَّا سُقوطُ الضَّمانِ فهو حُكمٌ ثَبَتَ باتِّفاقِ الصَّحابةِ بخِلافِ القياسِ على ما رويَ عنِ الزُّهريِّ، قال: وقَعَتِ الفِتنةُ وأصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَوافِرونَ، فاتَّفقوا على أنَّ كُلَّ دَمٍ أُريقَ بتَأويلِ القُرآنِ فهو مَوضوعُ، وكُلَّ فَرجٍ استُحِلَّ بتَأويلِ القُرآنِ فهو مَوضوعُ، وكُلَّ مالٍ أُتلِفَ بتَأويلِ القُرآنِ فهو مَوضوعٌ). ((المبسوط)) (30/ 256). ، والكاسانيُّ [1794] قال الكاسانيُّ: (وأمَّا بَيانُ حُكمِ إصابةِ الدِّماءِ والأموالِ مِنَ الطَّائِفتَينِ فنَقولُ: لا خِلافَ في أنَّ العادِلَ إذا أصابَ مِن أهلِ البَغيِ مِن دَمٍ أو جِراحةٍ أو مالٍ استَهلَكَه؛ أنَّه لا ضَمانَ عليهـ). ((بدائع الصنائع)) (7/ 141). ، وابنُ تَيميَّةَ [1795] قال ابنُ تَيميَّةَ: (كَما لا يَضمَنُ أهلُ العَدلِ ما أتلَفوه على أهلِ البَغيِ بالتَّأويلِ باتِّفاقِ العُلَماءِ). ((مجموع الفتاوى)) (15/ 171). ، وابنُ القَيِّمِ [1796] قال ابنُ القَيِّمِ: (وأجمَعَ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أنَّ كُلَّ مالٍ أو دَمٍ أُصيبَ بتَأويلِ القُرآنِ فهو هَدرٌ في قِتالِهم في الفِتنةِ). ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (4/ 92). ، والمَرداويُّ [1797] قال المَرداويُّ: (قَولُه: "ولا يَضمَنُ أهلُ العَدلِ ما أتلَفوه عليهم حالَ الحَربِ مِن نَفسٍ أو مالٍ، بلا نِزاعٍ). ((الإنصاف)) (10/ 238). .
ثالِثًا: أنَّ ما وجَبَ على أهلِ العَدلِ مِن قِتالِهم يَمنَعُ مِن ضَمانِ ما تَلِفَ بالقِتالِ مِن دِمائِهم وأموالِهم؛ لتَنافي اجتِماعِ وُجوبِ القِتالِ ووُجوبِ الضَّمانِ [1798] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/ 106). .
رابِعًا: أنَّ مَقصودَ القِتالِ دَفْعُهم عن بَغيِهم، فصاروا في هَدرِها كالطَّالِبِ إذا قَتَلَه المَطلوبُ دَفعًا عن نَفسِه [1799] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/ 106). .

انظر أيضا: