الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: القَطعُ بتَكرارِ السَّرِقةِ بَعدَ إقامةِ الحَدِّ


إذا سَرَقَ السَّارِقُ فأُقيمَ عليه الحَدُّ وقُطِعَت يَدُه، ثُمَّ سَرَقَ مَرَّةً أُخرى، فإنَّه يُقامُ عليه الحَدُّ مَرَّةً أُخرى بالقَطعِ، سَواءٌ كانتِ السَّرِقةُ مِنَ المَسروقِ مِنه في المَرَّةِ الأولى أو غَيرِه [1434] المُرادُ بالمَسألةِ: لَو سَرَقَ شَخصٌ عَينًا مِن آخَرَ، وأُقيمَ عليه حَدُّ السَّرِقةِ، ثُمَّ سَرَقَ مَرَّةً أُخرى، فهَل عليه الحَدُّ للسَّرِقةِ الثَّانيةِ أم لا؟ ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1435] استَثنى الحَنَفيَّةُ ما إذا سَرَقَ نَفسَ العَينِ، ولم يَتَغَيَّرِ المَسروقُ عنِ الحالةِ الأولى، فلا يُقطَعُ مَرَّةً ثانيةً. ((الهداية)) للمرغيناني (2/369)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/66). ، والمالِكيَّةِ [1436] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 347). ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 549). ، والشَّافِعيَّةِ [1437] ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (5/ 99)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 131). ، والحَنابِلةِ [1438] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/133)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 143). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ [1439] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا في أنَّ قَطعَ يَدِ السَّارِقِ إذا شَهدَ عليه بالسَّرِقةِ شاهدانِ عَدلانِ مُسلِمانِ حُرَّانِ، ووصَفا ما يَجِبُ فيه القَطعُ، ثُمَّ عادَ؛ أنَّه يُقطَعُ). ((الإجماع)) (ص 127). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (قال مالِكٌ: الأمرُ عِندَنا في الذي يَسرِقُ مِرارًا ثُمَّ يُستَعدى عليه: أنَّه ليس عليه إلَّا أن تُقطَعَ يَدُه لجَميعِ مَن سَرَقَ مِنه، إذا لم يَكُنْ أُقيمَ عليه الحَدُّ، فإن كان قد أُقيمَ عليه الحَدُّ قَبلَ ذلك ثُمَّ سَرَقَ ما يَجِبُ فيه القَطعُ، قُطِع أيضًا. قال أبو عُمَرَ: لا أعلَمُ في هذه المَسألةِ خِلافًا بَينَ أهلِ الفِقهِ الذينَ تَدورُ على مَذاهبِهمُ الفتوى بالأمصارِ ولا على مَن قَبلَهم). ((الاستذكار)) (7/ 549). وقال ابنُ نُجَيمٍ: (قَولُه: ورِجلُه اليُسرى إن عادَ؛ لقَولِه عليه السَّلامُ: فإن عاد فاقطَعوه، وعليه إجماعُ المُسلِمينَ). ((البحر الرائق)) (5/66). ونَقَلَ ابنُ حَزمٍ الخِلافَ في ذلك عن عَطاءٍ، فقال: (اختَلَف النَّاسُ فيما يُقطَعُ مِنَ السَّارِقِ: فقالت طائِفةٌ: لا تُقطَعُ إلَّا اليَدُ الواحِدةُ فقَط، ثُمَّ لا يُقطَعُ مِنه شَيءٌ.... فأمَّا مَن قال: لا تُقطَعُ إلَّا يَدُه فقَط، فكَما نا حمامٌ نا ابنُ مفرجٍ نا ابنُ الأعرابيِّ نا الدّبريُّ نا عَبدُ الرَّزَّاقِ عن ابنِ جُرَيجٍ، قُلتُ لعَطاءٍ: سَرَقَ الأولى، قال: تُقطَعُ كَفُّه، قُلتُ: فما قَولُهم: أصابِعُه؟ قال: لم أُدرِكْ إلَّا قَطعَ الكَفِّ كُلِّها، قُلتُ لعَطاءٍ: سَرَقَ الثَّانيةَ، قال: ما أرى أن تُقطَعُ إلَّا في السَّرِقةِ الأولى اليَدُ فقَط، قال اللهُ تعالى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] ، ولَو شاءَ أَمَر بالرِّجْلِ، ولم يَكُنِ اللَّهُ تعالى نَسيًّا. هذا نَصُّ قَولِ عَطاءٍ). ((المحلى)) (12/350). وقال أيضًا: (واختَلَفوا فيمن سَرَقَ ثانيةً: أيَجِبُ عليه القَطعُ أم لا؟). ((مراتب الإجماع)) (ص: 136). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُ اللهِ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الآيةُ تَدُلُّ على العُمومِ، فالسَّرِقةُ الثَّانيةُ حُكمُها كالأولى [1440] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 548)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 61). .
ثانيًا: أنَّ المَقصودَ بالقَطعِ أن يَنزَجِرَ السَّارِقُ، وهو لم يَنزَجِرْ مِنَ القَطعِ الأوَّلِ [1441] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 143). .
ثالِثًا: أنَّ السَّرِقةَ الثَّانيةَ مُتَكامِلةُ الشُّروطِ والأركانِ كالأولى، بَل أقبَحُ لتَقدُّمِ الزَّاجِرِ [1442] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 61).  .
رابِعًا: أنَّ القَطعَ عُقوبةٌ تَتَعَلَّقُ بفِعلٍ في عَينٍ، فيَتَكَرَّرُ ذلك الفِعلُ، كَما لَو زَنى بامرَأةٍ وحُدَّ، ثُمَّ زَنى بها ثانيًا [1443] يُنظر: ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (4/ 208).  .

انظر أيضا: