الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: أن يُخرِجَ السَّارِقُ المَسروقَ مِنَ الحِرزِ


يُشتَرَطُ لإقامةِ حَدِّ السَّرِقةِ أن يُخرِجَ السَّارِقُ المَسروقَ مِنَ الحِرزِ [1366] والحِرزُ هو: كُلُّ مَكانٍ مُعَدٍّ لحِفظِ الأمتِعةِ. يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 128). وقيلَ الحِرزُ هو: ما لا يُنسَبُ المودِعُ بوَضعِ الوديعةِ فيه إلى تَقصيرٍ. يُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 448). ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1367] ((بداية المبتدي)) للمرغيناني (ص: 110)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (5/ 355). ، والمالِكيَّةِ [1368] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 418)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 309). ، والشَّافِعيَّةِ [1369] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 164)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 448).  ، والحَنابِلةِ [1370] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 240)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 137). ، وهو قَولٌ قال به بَعضُ السَّلَفِ [1371] قال ابنُ قُدامةَ: (هذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ -أي اشتِراطُ الحِرزِ-، وهذا مَذهَبُ عَطاءٍ، والشَّعبيِّ، وأبي الأُسودِ الدُّؤَليِّ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، والزُّهريِّ، وعَمرِو بنِ دينارٍ، والثَّوريِّ، ومالِكٍ، والشَّافِعيِّ، وأصحابِ الرَّأيِ، ولا نَعلَمُ عن أحَدٍ مِن أهلِ العِلمِ خِلافَهم، إلَّا قَولًا حُكيَ عن عائِشةَ، والحَسَنِ، والنَّخعيِّ، فيمَن جَمَعَ المَتاعَ ولم يَخرُجْ به مِنَ الحِرزِ عليه القَطعُ، وعنِ الحَسَنِ مِثلُ قَولِ الجَماعةِ، وحُكيَ عن داودَ أنَّه لا يُعتَبَرُ الحِرزُ). ((المغني)) (9/ 103). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ [1372] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا أنَّ القَطعَ يَجِبُ على مَن سَرَقَ ما يَجِبُ فيه القَطعُ مِنَ الحِرزِ). ((الإجماع)) (ص: 127). وقال الجَصَّاصُ: (لا خِلافَ بَينَ فُقَهاءِ الأمصارِ في أنَّ الحِرزَ شَرطٌ في القَطعِ). ((أحكام القرآن)) (4/ 66). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (واتَّفقَ الفُقَهاءُ أئِمَّةُ الفتوى بالأمصارِ وأتباعُهم على مُراعاةِ الحِرزِ فيما يَسرِقُه السَّارِقُ، فقالوا: ما سَرَقَه السَّارِقُ مِن غَيرِ حِرزٍ فلا قَطعَ عليه، بَلَغَ المِقدارَ الذي يَجِبُ فيه القَطعُ أم لم يَبلُغْ). ((الاستذكار)) (7/ 541).  وقال ابنُ العَرَبيِّ: (والأُمَّةُ مُتَّفِقةٌ على اعتِبارِ الحِرزِ في القَطعِ في السَّرِقةِ؛ لاقتِضاءِ لَفظِها). ((أحكام القرآن)) (2/ 92). وخالَف في ذلك الظَّاهِريَّةُ وقالوا بعَدَمِ اعتِبارِ الحِرزِ، وحُكيَ ذلك عن بَعضِ السَّلَفِ، قال ابنُ حَزمٍ: (أورَدنا عن عائِشةَ، وابنِ الزُّبَيرِ، وسَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، وعَبدِ اللَّهِ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ، والحَسَنِ، وإبراهيمَ النَّخعيِّ، وعُبَيدِ اللهِ بنِ أبي بَكرةَ: القَطعَ على مَن سَرَقَ، وإن لم يَخرُجْ به مِنَ الحِرزِ). ((المحلى بالآثار)) (12/ 309). وقال ابنُ قُدامةَ: (هذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ -أي اشتِراطُ الحِرزِ-، وهذا مَذهَبُ عَطاءٍ، والشَّعبيِّ، وأبي الأُسودِ الدُّؤَليِّ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، والزُّهريِّ، وعَمرِو بنِ دينارٍ، والثَّوريِّ، ومالِكٍ، والشَّافِعيِّ، وأصحابِ الرَّأيِ، ولا نَعلَمُ عن أحَدٍ مِن أهلِ العِلمِ خِلافَهم، إلَّا قَولًا حُكيَ عن عائِشةَ، والحَسَنِ، والنَّخعيِّ، فيمَن جَمَعَ المَتاعَ ولم يَخرُجْ به مِنَ الحِرزِ عليه القَطعُ، وعنِ الحَسَنِ مِثلُ قَولِ الجَماعةِ، وحُكيَ عن داودَ أنَّه لا يُعتَبَرُ الحِرزُ). ((المغني)) (9/ 103). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه سُئِلَ عنِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ؟ فقال: ما أصابَ مِن ذي حاجةٍ غَيرَ مُتَّخِذٍ خُبنةً فلا شَيءَ عليه، ومَن خَرَجَ بشَيءٍ مِنه فعليه غَرامةُ مِثلَيه والعُقوبةُ، ومَن سَرَقَ شَيئًا مِنه بَعدَ أن يُؤويَه الجَرينُ فبَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ فعليه القَطعُ، ومَن سَرَقَ دونَ ذلك فعليه غَرامةُ مِثلَيه والعُقوبةُ)) [1373] أخرجه أبو داود (1710)، والترمذي (1289)، والنسائي (4958) واللَّفظُ له. حَسَّنه الترمذي، وابنُ القَيِّمِ في ((تهذيب السنن)) (7/282)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/654)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4958). وذهب إلى تصحيحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/257). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَرَط القَطعَ بَعدَ أن يُؤويَه الجَرينُ؛ لأنَّ هذا حِرزٌ، ولا قَطعَ على مَن سَرَقَه مِن مَرعاه؛ لأنَّه ليس بحِرزٍ [1374] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (12/304). .
ثانيًا: لأنَّ الجِنايةَ تَعظُمُ بمُخاطَرةِ أخذِه مِنَ الحِرزِ، فحُكِم بالقَطعِ زَجرًا، بخِلافِ ما إذا جَرَّأه المالِكُ ومَكَّنَه مِن تَضييعِه [1375] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 164)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 448).  .
مسألةٌ: أنواعُ الحِرزِ
1- الحِرزُ بنَفسِه [1376] فهذا النَّوعُ يَكونُ حِرزًا بنَفسِه، سَواءٌ وُجِد حافِظٌ أم لا، وسَواءٌ كان البابُ مُغلَقًا أو مَفتوحًا؛ لأنَّ البِناءَ يُقصَدُ به الإحرازُ. ، وهو: كُلُّ بُقعةٍ مُعَدَّةٍ للإحرازِ مَمنوعٍ الدُّخولُ فيها إلَّا بالإذنِ: كالدُّورِ، والحَوانيتِ، والخِيَمِ، والفَساطيطِ، والخَزائِنِ، والصَّناديقِ.. ولا يُشتَرَطُ فيه وُجودُ الحافِظِ لصَيرورَتِه حِرزًا، ولَو وُجِدَ فلا عِبرةَ بوُجودِه، بَل وجودُه والعَدَمُ سَواءٌ [1377] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 73)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 55) وينظر أيضًا: ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 121). .
2- الحِرزُ بغَيرِه [1378] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 73). ، وهو: كُلُّ مَكانٍ غَيرِ مُعَدٍّ للإحرازِ، ويُدخَلُ إليه بلا إذنٍ، ولا يُمنَعُ مِنه، كالمَساجِدِ، والطُّرُقِ، وحُكمُه حُكمُ الصَّحراءِ إن لم يَكُنْ هناكَ حافِظٌ، وإن كان هناكَ حافِظٌ فهو حِرزٌ [1379] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 55). .

انظر أيضا: