الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ التَّاسِعُ: حُكمُ قَبولِ شَهادةِ القاذِفِ بَعدَ تَوبَتِه


تُقبَلُ شَهادةُ المَحدودِ في القَذفِ بَعدَ تَوبَتِه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [1039] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/897)، ((التاج والإكليل)) للمواق (8/179-180). ، والشَّافِعيَّةِ [1040] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 438)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/ 324). ، والحَنابِلةِ [1041] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 590)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 616). ، وبَعضِ الظَّاهريَّةِ [1042] ((المحلى)) لابن حزم (8/531). ، وقال به بَعضُ السَّلَفِ [1043] قال ابنُ حَزمٍ: (ومَن حُدَّ في زِنًا أو قَذفٍ أو خَمرٍ أو سَرِقةٍ، ثُمَّ تابَ وصَلَحَت حالُه، فشَهادَتُه جائِزةٌ في كُلِّ شَيءٍ، وفي مِثلِ ما حُدَّ فيه...، وصَحَّ أيضًا: عن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، وأبي بَكرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمرِو بنِ حَزمٍ، وعُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ عُتبةَ بنِ مَسعودٍ، وعَطاءٍ، وطاوسٍ، ومُجاهدٍ، وابنِ أبي نَجيحٍ، والشَّعبيِّ، والزُّهريِّ، وحَبيبِ بنِ أبي ثابِتٍ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ أبي طَلحةَ الأنصاريِّ، وسَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، وعِكرِمةَ، وسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ، والقاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وسالِمِ بنِ عَبدِ اللَّهِ، وسُلَيمانَ بنِ يَسارٍ، وابنِ قسيطٍ، ويَحيى بنِ سَعيدٍ الأنصاريِّ، ورَبيعةَ، وشُرَيحٍ. وهو قَولُ عُثمانَ البَتِّيِّ، وابنِ أبي لَيلى، ومالِكٍ، والشَّافِعيِّ، وأبي ثَورٍ، وأبي عُبَيدٍ، وأحمدَ، وإسحاقَ). ((المحلى)) (8/529-531). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/ 178).  ، وحُكيَ إجماعُ الصَّحابةِ على ذلك [1044] قال ابنُ قُدامةَ: (إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فإنَّه يُروى عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان يَقولُ لأبي بَكرةَ حين شَهِدَ على المُغيرةِ بنِ شُعبةَ: تُبْ، أقبَلْ شَهادَتَك. ولم يُنكِرْ ذلك مُنكِرٌ، فكان إجماعًا). ((المغني)) (10/179). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النور: 4-5] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الاستِثناءَ في قَولِه تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا يَدُلُّ على قَبولِ الشَّهادةِ بَعدَ التَّوبةِ [1045] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/ 226).  .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، قال: (شَهِدَ على المُغيرةِ أربَعةٌ، فنَكَلَ زيادٌ، فجَلَدَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ الثَّلاثةَ واستَتابَهم، فتابَ اثنانِ وأبى أبو بَكرةَ أن يَتوبَ، فكانت تُقبَلُ شَهادَتُهما حينَ تابا، وكان أبو بَكرةَ لا تُقبَلُ شَهادَتُه؛ لأنَّه أبى أن يَتوبَ، وكان مِثلَ النِّضوِ مِنَ العِبادةِ) [1046] أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قَبلَ حَديث (2648)، وأخرجه مِن طُرُقٍ مَوصولًا: الطَّحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (12/362) واللَّفظُ له، والبَيهَقيُّ (20577). صَحَّح إسنادَه العَينيُّ في ((نخب الأفكار)) (14/484)، وقال ابنُ كَثيرٍ في ((مسند الفاروق)) (2/559): طَريقُه صَحيحةٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قَبِلَ شَهادةَ مَن تابَ ولَم يَقبَلْ شَهادةَ أبي بَكرةَ لعَدَمِ تَوبَتِه [1047] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 590).  .
ثالِثًا: أنَّ سَبَبَ رَدِّ الشَّهادةِ هو التَّفسيقُ، والفِسقُ يَرتَفِعُ بالتَّوبةِ بلا خِلافٍ، فإذا زالَ قُبِلَتِ الشَّهادةُ [1048] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/178)، ((الذخيرة)) للقرافي (12/ 117). .
رابِعًا: أنَّ هذا افتِراءٌ على عَبدٍ مِن عِبادِ اللهِ تعالى، فإذا كان الافتِراءُ على اللهِ تعالى وهو كُفرٌ لا يوجِبُ رَدَّ الشَّهادةِ بَعدَ التَّوبةِ، فهذا أَولى [1049] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/217- 218).  .

انظر أيضا: