الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: قَذفُ الجَماعةِ بكَلِمةٍ واحِدةٍ


مَن قَذَف جَماعةً بكَلِمةٍ واحِدةٍ فعليه حَدٌّ واحِدٌ للجَميعِ [999] وصورةُ المَسألةِ: أن يَقذِفَهم جُملةً واحِدةً ولا يَخُصَّهم فردًا فردًا، كَأن يَقولَ لأشخاصٍ مُجتَمِعينَ: كُلُّكُم زُناةٌ، أو يا زُناةُ، ونَحوَ ذلك. ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1000] ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 59)، ((الفتاوى الهندية)) (2/ 165). ، والمالِكيَّةِ [1001] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 327)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 277). ، والحَنابِلةِ [1002] الحَنابِلةُ لَهم تَفصيلٌ، فإذا قَذَف جَماعةً -يُتَصَوَّرُ مِنهمُ الزِّنا عادةً- بكَلِمةٍ واحِدةٍ، فعليه حَدٌّ واحِدٌ إذا طالَبوا، أمَّا إذا قَذَف جَماعةً -لا يُتَصَوَّرُ الزِّنا مِن جَميعِهم عادةً- لم يُحَدَّ للقَذفِ، لَكِنَّه يُعَزَّرُ. ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 413 - 414)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 223)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/114،112). ، والقَولُ القديمُ للشَّافِعيِّ [1003] ((روضة الطالبين)) للنووي (8/ 346). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [1004] قال ابنُ قُدامةَ: (وبِهذا قال طاوُسٌ، والشَّعبيُّ، والزُّهريُّ، والنَّخعيُّ، وقتادةُ، وحَمَّادٌ، ومالِكٌ، والثَّوريُّ، وأبو حَنيفةَ، وصاحِباه، وابنُ أبي لَيلى، وإسحاقُ). ((المغني)) (9/ 98). ، وحُكيَ إجماعُ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ على ذلك [1005] قال الطَّحاويُّ: (عن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه أنَّه قال في رَجُلٍ قَذَف جَماعةً: "إنَّه ليس عليه إلَّا حَدٌّ واحِدٌ"، ولا نَعلَمُ عن أحَدٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا مِن تابِعِيهم في هذا المَعنى خِلافَ هذا القَولِ). ((شرح مشكل الآثار)) (7/410). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور: 4] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى لم يُفَرِّقْ بَينَ قَذفِ واحِدٍ أو قَذفِ جَماعةٍ؛ فدَلَّ على أنَّ الحُكمَ واحِدٌ [1006] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 413).  .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ هِلالَ بنَ أميَّةَ قذَف امرأتَه عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشَريكِ بنِ سَحماءَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((البيِّنةُ أو حَدٌّ في ظَهرِك، قال: يا رسولَ اللهِ، إذا رأى أحدُنا رجُلًا على امرأتِه يَنطَلِقُ يلتمِسُ البيِّنةَ! فجعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: البيِّنةُ وإلَّا حَدٌّ في ظَهرِك)) [1007] أخرجه البخاري (4747). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يوجِبْ على هلالٍ إلَّا حَدًّا واحِدًا مَعَ قَذفِه لامرَأتِه وشَريكِ بنِ سَحماءَ [1008] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/397). .
ثالِثًا: أنَّه بقَذفٍ واحِدٍ أدخَلَ العارَ على مَن قَذَفهم، والمَطلوبُ إظهارُ كَذِبِه وبَراءةُ مَن قَذَفَهم، فيَكفي في ذلك حَدٌّ واحِدٌ [1009] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 59)، ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 413). .
رابِعًا: قياسُ قَذفِ الجَماعةِ بلَفظٍ واحِدٍ على قَذفِ الواحِدِ في وُجوبِ حَدٍّ واحِدٍ فقط، بجامِعِ كَونِه قَذفًا بلَفظٍ واحِدٍ [1010] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/98). .

انظر أيضا: