الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الخامِسُ: عُقوبةُ الزَّاني بذاتِ مَحْرَمٍ 


اختَلَف العُلَماءُ في عُقوبةِ الزَّاني بذاتِ مَحرَمٍ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُحَدُّ الزَّاني بذاتِ مَحرَمٍ حَدَّ الزَّاني، سواءٌ كان بِكرًا أم ثَيِّبًا، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [368] ((حاشية ابن عابدين)) (4/21)، ((الفتاوى الهندية)) (2/148). ، والمالِكيَّةِ [369] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/251، 252)، ((منح الجليل)) لعليش (3/330). ، والشَّافعيَّةِ [370] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/178)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/146)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/21). ، والحنابِلةِ [371] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/345)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/181). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
عُمومُ الآيةِ في وُجوبِ الحَدِّ على مَن زنى بمَحرَمٍ أو غَيرِ مَحرَم [372] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/56)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/181). .
القَولُ الثَّاني: يُقتَلُ الزَّاني بذاتِ المحرَمِ، سواءٌ كان بِكرًا أم ثَيِّبًا، وهو روايةٌ عن أحمَدَ [373] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/345، 346)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/181). اختارها ابنُ تَيميَّةَ [374] سُئل ابنُ تيميَّةَ عمَّن زنى بأختِه: ماذا يجِبُ عليه؟ فأجاب: (وأمَّا من زنى بأختِه مع عِلمِه بتحريمِ ذلك وَجَب قتلُه، والحُجَّةُ في ذلك: ما رواه البَراءُ بنُ عازبٍ، قال: مَرَّ بي خالي أبو بُردةَ ومعه رايةٌ، فقُلتُ: أين تذهَبُ يا خالي؟ قال: بَعَثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رجُلٍ تزوَّجَ بامرأةِ أبيه، فأمَرَني أن أضرِبَ عُنُقَه وأُخَمِّسَ مالَه. واللهُ أعلمُ). ((مجموع الفتاوى)) (34/177). ، وابنُ القَيِّمِ [375] قال ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا إن كانت الفاحِشةُ مع ذي رَحِمٍ مَحرَمٍ، فذلك الهُلْكُ كُلُّ الهُلْكِ، ويَجِبُ قَتلُ الفاعلِ بكُلِّ حالٍ عِندَ الإمامِ أحمدَ وغَيرِهـ). ((روضة المحبين)) (ص 374). ، وابنُ عُثَيمين [376] قال ابنُ عُثَيمين: (وظاهِرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا فَرقَ بَينَ الزِّنا بذواتِ المحارِمِ وغَيرِهم، ولكِنَّ الصَّحيحَ أنَّ الزِّنا بذواتِ المحارِمِ فيه القَتلُ بكُلِّ حالٍ؛ لحديثٍ صَحيحٍ ورد في ذلك، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وهي الصَّحيحةُ، واختار ذلك ابنُ القَيِّمِ في كتابِ "الجواب الكافي" أنَّ الذي يزني بذاتِ مَحرَمٍ منه فإنَّه يُقتَلُ بكُلِّ حالٍ، مِثلُ ما لو زنا بأختِه -والعياذُ باللهِ- أو بعَمَّتِه، أو خالتِه، أو أمِّ زوجَتِه، أو بنتِ زَوجتِه التي دخَل بها، وما أشبَهَ ذلك؛ لأنَّ هذا الفَرجَ لا يحِلُّ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ، لا بعَقدٍ ولا بغَيرِه، ولأنَّ هذه فاحِشةٌ عَظيمةٌ). ((الشرح الممتع)) (14/247). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [377] قال ابنُ قُدامةَ: (رُوِيَ عن أحمدَ أنَّه يُقتَلُ على كُلِّ حالٍ. وبهذا قال جابِرُ بنُ زيدٍ، وإسحاقُ، وأبو أيُّوبَ، وابنُ أبي خَيثَمةَ). ((المغني)) (9/56). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لَقِيتُ عَمِّي ومعه رايةٌ، فقُلتُ له: أين تُريدُ؟ قال: بعَثَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رجُلٍ نكَحَ امرأةَ أبيه، فأمرني أن أضرِبَ عُنُقَه وآخُذَ مالَهـ)) [378] أخرجه أبو داود (4457) واللفظ له، والنسائي (3332). صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (11/253)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4457)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((زاد المعاد)) (5/13). .
ثانيًا: لأنَّ هذا الفَرجَ لا يَحِلُّ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ، ولأنَّها فاحِشةٌ عَظيمةٌ [379] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/247). .

انظر أيضا: