الموسوعة الفقهية

الفرعُ التَّاسع: قضاءُ صلاةِ الوترِ


مَن فاتته صلاةُ الوترِ لا يَقضيها، وهذا مذهبُ المالِكيَّة لا يَقضي الوتر عند المالكيَّة إذا تذكَّره بعد أنْ صلَّى الصبح. فأمَّا قبل الصلاة إذا اتَّسع له الوقت فيقضي. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/259)، ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/212). ، وهو قولُ الشافعيِّ في القديمِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/287)، ((المجموع)) للنووي (4/42، 43). ، وروايةٌ عن أحمدَ قال ابن رجب: (المنصوص عن أحمد، وإسحاق: أنه يقضي السُّنن الرَّواتب دون الوتر، إذا صلَّى الفجر ولم يوتر، ونصَّ عليه في رواية غير واحد من أصحابه) ((فتح الباري)) (6/243). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/127). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلَف، وحُكيَ عن أكثرِ العلماءِ قال ابنُ عبد البَرِّ: (فقال منهم قائلون: لا يُصلِّي الوتر بعد طلوع الفجر وإنَّما وَقْتُها من صلاةِ العِشاءِ إلى طُلوعِ الفَجْرِ، فإذا طلع الفجرُ فلا وِتْرَ، وممَّن قال هذا سعيد بن جبير، ومكحول، وعطاء بن أبي رباح، وهو قولُ سفيان الثوري، وأبي يوسف ومحمَّد). ((الاستذكار)) (2/122). وقال ابن رجب: (وقد اختلف العلماءُ في قضاءِ الوِتْرِ إذا فات؛ فقالت طائفةٌ: لا يُقضى، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وروايةٌ عن أحمد، وإسحاق، وأحدُ قولي الشافعي، وحكاه أحمدُ عن أكثرِ العلماء، ويُروى عن النَّخَعيِّ، أنَّه لا يُقضى بعد صلاة الفجر، وعن الشَّعبي... وحكاه أحمدُ عن أكثرِ العلماء). ((فتح الباري)) (6/243). ، واختاره ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (قال آخرون: يُصلِّي الوتر ما لم يصلِّ الصُّبْحَ، فمَن صلَّى الصبْحَ فلا يُصلِّي الوترَ، روي هذا القولُ عن ابن مسعود، وابن عباس، وعُبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وحذيفة، وعائشة، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور، وإسحاق وجماعة، وهو الصَّواب عندي؛ لأنِّي لا أعلم لهؤلاء الصحابة مخالفًا من الصحابة، فدلَّ إجماعُهم على أنَّ معنى الحديث في مراعاة طلوعِ الفَجْرِ أُريد ما لم تصلَّ صلاةُ الفجرِ، ويحتمل أيضًا أن يكون ذلك لمن قَصَده واعتمده، وأمَّا مَن نام عنه وغَلَبَتْه عينُه حتى انفجر الصُّبْحُ وأمْكَنه أن يُصلِّيه مع الصبح قبل طلوعِ الشَّمْسِ ممَّا أُريد بذلك الخطاب، والله الموفِّق للصواب، وإلى هذا المعنى أشار مالكٌ رحمه الله، وأمَّا مَن أوجب قضاءَ الوتر بعد طلوع الشمس، فقد شذَّ عن الجمهورِ وحَكَم للوِتْرِ بحُكم الفريضة). ((الاستذكار)) (2/122،123). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (والوتر لا يُقضى إذا فات؛ لفوات المقصود منه بفوات وقته، وهو إحدى الروايتين عن أحمد). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 427). وقال أيضًا: (وفيه قول آخر: إنَّ الوتر لا يُقضى، وهو رواية عن أحمد؛ لِمَا رُوي عنه أنه قال: «إذا طلع الفجر فقدْ ذهبتْ صلاةُ الليل والوتر»، قالوا: فإنَّ المقصود بالوتر أن يكون آخِرَ عمل الليل، كما أنَّ وتر عمل النهار المغرب؛ ولهذا كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا فاته عملُ الليل صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولو كان الوتر فيهن لكان ثلاث عشرة ركعة. والصحيح أنَّ الوتر يُقضى قبل صلاة الصبح؛ فإنه إذا صُلِّيت لم يبقَ في قضائه الفائدة التي شرع لها؛ والله أعلم) ((مجموع الفتاوى)) (23/91). وقال ابن القيِّم: (كان إذا غلبه نومٌ أو وجع، صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة. فسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيميَّة يقول: في هذا دليلٌ على أنَّ الوتر لا يقضى لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوها؛ لأنَّ المقصود به أن يكون آخرُ صلاة الليل وترًا، كما أنَّ المغرب آخرُ صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصُلِّيت الصبح، لم يقع الوتر موقعَه؛ هذا معنى كلامه). ((زاد المعاد)) (1/324).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا نام أو شَغَله مرضٌ أو غيرُه عن قيامِ اللَّيلِ، صلَّى بالنهارِ ثِنتي عشرةَ ركعةً )) رواه مسلم (746).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّه عليه الصَّلاةُ والسلامُ كان يَقضي التهجُّدَ دون الوترِ ((فتح الباري)) لابن رجب (6/243، 244).
2- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أَوتِروا قبل أن تُصبِحوا )) [3653] رواه مسلم (754).
ثانيًا: أنَّها صلاةُ نافلةٍ؛ فوجَبَ أن تسقُطَ بفواتِ وقتِها، كالكُسوفِ والخُسوفِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/288).

انظر أيضا: