الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّل: حُكمُ صلاةِ الوترِ


صلاةُ الوترِ سُنَّةٌ مؤكَّدة، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ، والشافعيَّة ، والحَنابِلَة ، وروايةٌ عن أبي حنيفةَ ، وبه قال أبو يُوسفَ ومحمَّد بن الحسن من الحَنَفيَّة ، وهو قولُ أكثرِ العلماءِ
الأدلَّة:
أولًا: من الكتاب
قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى [البقرة: 238]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنه لو كانت صلاة الوتر واجبةً لكانت الصلواتُ المفروضةُ سِتًّا، والستُّ لا تصحُّ أن يكونَ لها وُسْطَى؛ فعُلِم أنَّها خمسٌ
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن طلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رجلًا جاءَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: ((ما الإسلامُ؟ قال: خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ؛ قال: فهلْ عليَّ غيرُها؟ قال: لا إلَّا أن تطوَّع، فقال: واللهِ، لا أَزيد عليها ولا أنقُص منها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفلحَ إنْ صَدَق ))
أوَجْهُ الدَّلالَةِ:
- أنَّه بيَّن أنَّ المفروضَ هو خمسُ صلواتٍ في اليوم واللَّيلةِ لا سِتٌّ
- أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نفَى بقولِه: ((لا))- جوابًا عن سؤالِ الرجلِ (هلْ عليَّ غيرُها؟)- وجوبَ غيرِ هذه الصلواتِ الخمسِ، ثم أكَّد النفيَ بقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إلَّا أن تطوَّعَ))
- أنَّ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أفْلَحَ إنْ صَدَقَ)) يُفيد عدمَ وجوبِ الوترِ؛ لأنَّه لو كان الوترُ واجبًا لم يكُن بتركه مفلحًا؛ لأنَّ الأعرابيَّ قال: ((والله لا أَزيدُ عليها، ولا أنقصُ منها))
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَث معاذًا إلى اليمنِ، فقال: ادْعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، وأنِّي رسولُ اللهِ، فإنْ هم أطاعوا لذلك فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ قد افترَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإنْ هم أطاعوا لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ تَعالى افترَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذُ من أغنيائِهم وتردُّ إلى فُقرائِهم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: ((افترَض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ)) فيه: أنَّ المفروض هو خمسُ صلواتٍ، وبَعْثُ معاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه إلى اليمنِ كان قبلَ وفاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقليلٍ؛ فيُستبعد معه وقوعُ النَّسخ
3- عن عبدِ اللهِ بن مُحَيريزٍ، عن رجلٍ من بني كنانةَ يُقال له: المخدجيُّ، قال: كان بالشامِ رجلٌ يُقال له: أبو محمَّد، قال: الوترُ واجبٌ، فرُحتُ إلى عُبادةَ- يعني ابنَ الصَّامت- فقلت: إنَّ أبَا محمَّد يزعُم أنَّ الوترَ واجبٌ، قال: كذَبَ أبو محمَّد! سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ اللهُ على العبادِ، مَن أتى بهنَّ لم يُضيِّعْ منهنَّ شيئًا جاءَ وله عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَه الجَنَّةَ، ومَن ضَيَّعهنَّ استخفافًا بحقِّهنَّ جاءَ ولا عهدَ له؛ إنْ شاءَ عذَّبَه، وإنْ شاءَ أَدْخلَه الجَنَّةَ ))
4- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ليس الوترُ بحتمٍ كهيئةِ المكتوبةِ، ولكنَّه سَنَّها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
5- قال ابنُ عُمرَ: و((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسبِّحُ على الراحلةِ قِبَلَ أيِّ وَجهٍ توجَّه، ويُوتِرُ عليها، غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبةَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا خِلافَ أنَّه لا يجوزُ أن يُصلِّي الواجبَ راكبًا في غيرِ حالِ العذرِ، ولو كان الوترُ واجبًا ما صلَّاه راكبًا
ثالثًا: أنَّ الصلواتِ ضربانِ: فرضٌ، ونفل؛ فلمَّا كان في جِنسِ الفرضِ وترٌ وجَب أنْ يكونَ في جِنسِ النفلِ وترٌ كالفرائضِ
رابعًا: أنَّها صلاةٌ مِن سُننها أن تكونَ تبعًا لغيرها؛ فوجب أن تكونَ نفلًا؛ قياسًا على الركعتينِ بعدَ الظهرِ
خامسُا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أَوْتَر بثلاثٍ، وبخمس، وسبع، وأكثرَ من ذلك، فلو كان الوتر فرضًا لكان موقَّتًا معروفًا عددُه، لا يجوز أن يُزاد فيه ولا يُنقص منه، كالصلواتِ الخمسِ المفروضات، وأحاديثُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه على خِلافِ ذلِك؛ لأنَّهم قد أَوتروا وترًا مختلفًا في العدد
سادسًا: أنَّ الوترَ يَعملُ به الخاصُّ والعامُّ من المسلمين في كلِّ ليلةٍ، فلو كان فرضًا لَمَا خفِي وجوبُه على العامَّة، كما لم يَخْفَ وجوبُ الظهرِ والعصرِ والصلواتِ الخمسِ عليهم؛ فلو كان الوترُ فرضًا كسائرِ الصلواتِ، لتوارثوا عِلمَه، ونقَلوه قرنًا عن قرن كذلك

انظر أيضا:

  1. (1) ((التاج والإكليل)) للمواق (2/75)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/392)،
  2. (2) ((المجموع)) للنووي (4/19)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/278).
  3. (3) الوتر سُنَّة مؤكَّدة عند الحنابلة إلَّا على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكان الوتر واجبًا عليه. قال ابنُ قُدامةَ: (قال أحمد: "من ترك الوتر عمدًا فهو رجل سوء، ولا يَنبغي أن تقبل له شهادة". وأراد المبالغة في تأكيده؛ لما قد ورد فيه من الأحاديث في الأمر به، والحث عليه، فخرج كلامه مخرجَ كلام النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإلَّا فقد صرَّح في رواية حنبل، فقال: الوتر ليس بمنزلة الفرض، فلو أنَّ رجلًا صلَّى الفريضة وحدها، جاز له وهما سنة مؤكَّدة؛ الركعتان قبل الفجر والوتر، فإنْ شاء قضى الوتر، وإنْ شاء لم يقضه، وليس هما بمنزلة المكتوبة). ((المغني)) (2/118- 119)، ويُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/237).
  4. (4) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/40).
  5. (5) قال الطحاوي: (قال أبو حنيفة: هو واجبٌ، وقال أبو يوسف ومحمد: سُنَّة مؤكَّدة ليس لأحد تركُها، وليس بواجب). ((مختصر اختلاف العلماء)) (1/224)، وينظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/40).
  6. (6) قال البغوي: (أجمَع أهل العلم على أنَّ الوتر ليس بفريضة، وهو سُنَّة عند عامتهم) ((شرح السنة)) (4/102). وقال الماورديُّ: (الوتر فعند الشافعي أنَّها سُنَّة، وبه قال الفقهاء كافَّة، وقال أبو حنيفة: الوتر واجب، قال ابن المنذر: ولم يذهبْ إلى هذا غير أبي حنيفة). ((الحاوي الكبير)) (2/278). وقال النووي: (مذهبنا أنه ليس بواجب، بل هو سُنَّة متأكِّدة، وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدَهم، قال القاضي أبو الطيِّب: هو قول العلماء كافَّة حتى أبو يوسف ومحمَّد، قال: وقال أبو حنيفة وحْدَه: هو واجبٌ وليس بفرض، فإنْ ترَكه حتى طلَع الفجر أثِمَ ولزِمَه القضاء،وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه: الوتر سُنَّة مؤكَّدة ليس بفرض، ولا واجب، وبه قالت الأمَّة كلها إلَّا أبا حنيفة، فقال: هو واجب، وعنه رواية أنه فرض وخالفه صاحباه فقالَا: هو سُنَّة، قال أبو حامد: قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا وافَق أبا حنيفة في هذا). ((المجموع)) (4/19)، وينظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/39). وقال ابنُ تيميَّة: (الوتر سُنَّة مؤكَّدة باتِّفاق المسلمين، ومَن أصرَّ على تركِه فإنَّه تُردُّ شهادتهـ) ((مجموع الفتاوى)) (23/88). وقال أيضًا: (إحداها سُنَّة الفجر والوتر فهاتان أمَرَ بهما النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يأمرْ بغيرهما، وهما سُنَّة باتِّفاق الأئمَّة) ((مجموع الفتاوى)) (23/125).
  7. (7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/279).
  8. (8) رواه البخاري (2678)، ومسلم (11).
  9. (9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/279)، ((المجموع)) للنووي (4/19، 20).
  10. (10) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/279)، ((المجموع)) للنووي (4/19، 20).
  11. (11) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/279)، ((المجموع)) للنووي (4/19، 20).
  12. (12) رواه البخاري (1395)، ومسلم (19).
  13. (13) قال النووي: (وهذا من أحسن الأدلَّة؛ لأنَّ بعْث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن كان قبل وفاة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقليل جدًّا). ((المجموع)) (4/20).
  14. (14) رواه أبو داود (1420)، والنسائي (461)، وابن ماجه (1401). صحَّحه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/288)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/447)، والنووي في ((المجموع)) (4/20)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/389)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (1158)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (537)، وصحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (1/91)، والعراقيُّ في ((طرح التثريب)) (2/148).
  15. (15) رواه الترمذي (453)، والنسائي (1676)، وابن ماجه (1169)، وأحمد (1/115) (927). حسنه الترمذي، وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف المهرة)) (2/386)، وأحمد شاكر في ((تحقيق المسند)) (2/113)، وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجهـ)) (967)
  16. (16) رواه البخاري (1098)، ومسلم (700).
  17. (17) ((مختصر قيام الليل)) للمروزي (ص: 297)، ((عمدة القاري)) للعيني (7/15)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/118).
  18. (18) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/280).
  19. (19) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/280).
  20. (20) ((مختصر قيام الليل)) للمروزي (ص: 297).
  21. (21) ((مختصر قيام الليل)) للمروزي (ص: 297).