الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابعُ: الحِكمةُ مِن تَشريعِ الحُدودِ


1- مِن حِكمةِ التَّشريعِ للحُدودِ أنَّها كَفَّارةٌ وتَطهيرٌ للمُذنِب
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كُنَّا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَجلسٍ فقال: ((تُبايِعوني على أن لا تُشرِكوا باللهِ شَيئًا، ولا تَزنوا، ولا تَسرِقوا، ولا تَقتُلوا النَّفسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، فمَن وفى مِنكُم فأجرُه على اللهِ، ومَن أصابَ شَيئًا مِن ذلك فعوقِبَ به فهو كَفَّارةٌ له، ومَن أصابَ شَيئًا مِن ذلك فسَتَرَه اللهُ عليه فأمرُه إلى اللهِ؛ إن شاءَ عَفا عنه، وإن شاءَ عَذَّبَه )) [31] أخرجه البخاري (18)، ومسلم (1709) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحَديثِ أنَّ الحُدودَ في الدُّنيا كَفارَّةٌ وطُهورٌ [32] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 415).  .
ثانيًا: لأنَّ إقامةَ الحَدِّ في الدُّنيا تُكَفِّرُ الذَّنبَ وإن لم يَتُبِ المَحدودُ، وإلَّا كان أهلُ الكَبائِرِ مُخَلَّدينَ في النَّارِ، على خِلافِ ما عليه أهلُ الحَقِّ؛ لأنَّ العُقوبةَ الدُّنيَويَّةَ إذا لم تُكَفِّرْ إلَّا مَعَ التَّوبةِ كانت كذلك في الآخِرةِ، لا يَكونُ العِقابُ لأهلِ التَّوحيدِ بالنَّارِ مُنجيًا لهم مِنها إن لم تَسبقِ التَّوبةُ في الدُّنيا [33] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (6/ 65).  .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ الجَدُّ [34] قال ابنُ رُشدٍ الجَدُّ: (الرَّجمُ كَفَّارةٌ للزِّنا بإجماعٍ). ((البيان والتحصيل)) (2/ 269). ، والنَّوَويُّ [35] قال النَّوَويُّ: (الحَدُّ يُكَفِّرُ ذَنبَ المَعصيةِ التي حُدَّ لها... ولا نَعلمُ في هذا خِلافًا). ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (11/ 199). ، وابنُ حَجَرٍ [36] قال ابنُ حَجَرٍ: (قامَ إجماعُ أهلِ السُّنَّةِ على أنَّ مَن أُقيمَ عليه الحَدُّ مِن أهل المَعاصي كان ذلك كَفَّارةً لإثمِ مَعصيَتِهـ). ((فتح الباري)) (12/ 112). ، والصَّنعانيُّ [37] قال الصَّنعانيُّ: (ورَد أنَّ هذه الحُدودَ كَفَّاراتٌ لمَن أُقيمَت عليه، وهذا إجماعٌ). ((سبل السلام)) (2/ 426) .
2- مِن حِكمةِ تَشريعِ إقامةِ الحُدودِ أنَّها حِمايةٌ للمُجتَمَعِ [38] يُنظر: ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (1/276) ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)) للعز بن عبد السلام (1/117)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/ 330). ، مِن انتِشارِ الجَرائِمِ، ومِن الاعتِداءِ على الضَّروريَّاتِ الخَمسِ
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 179] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَلالةٌ على أنَّ اللَّهَ حَجَز بالقِصاصِ بَعضَهم عن بَعضٍ، وما أمَرَ اللَّهُ بأمرٍ قَطُّ إلَّا وهو أمرُ صَلاحٍ في الدُّنيا والآخِرةِ [39] ((تفسير الطبري)) (3/382). .
ثانيًا: أنَّ الحُدودَ إذا أُقيمَتِ انكَفَّ النَّاسُ أو كَثيرٌ مِنهم عن تَعاطي المُحرَّماتِ، وإذا تُرِكَتِ المَعاصي كان سببًا في حُصولِ البَرَكاتِ مِنَ السَّماءِ والأرضِ [40] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/ 527).  .
ثالثًا: لأنَّ في قَطعِ أعضاءِ الجاني حِفظًا لأعضاءِ النَّاسِ [41] ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)) للعز بن عبد السلام (1/117). .
3- مِن حِكمةِ التَّشريعِ للحُدودِ أنَّها زَواجِرُ عنِ ارتِكابِ الذُّنوبِ [42] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 163)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 136)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 173)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 335).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه إذا عَلمَ مَثَلًا أنَّه إذا زَنى حُدَّ، امتَنَعَ مِنه [43] يُنظر: ((حاشية البجيرمي على شرح الخطيب)) (4/ 167). .
ثانيًا: لِما في الطَّبعِ مِن مُغالبةِ الشَّهَواتِ المُلهيةِ عن وعيدِ الآخِرةِ بعاجِلِ اللَّذَّةِ، فجَعَل اللَّهُ تعالى مِن زَواجِرِ الحُدودِ ما يَردَعُ به ذا الجَهالةِ حَذَرًا مِن ألمِ العُقوبةِ وخيفةً مِن نَكالِ الفضيحةِ [44] يُنظر: ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (1/276).  .

انظر أيضا: