الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: تَعريفُ الحَدِّ لُغةً واصطِلاحًا


الحُدودُ لُغةً: جَمعُ حَدٍّ، والحَدُّ: هو الحاجِزُ بَينَ الشَّيئَينِ، وحَدُّ الشَّيءِ: مُنتَهاه. تَقولُ: حَدَدتُ الدَّارَ أحُدُّها حَدًّا. والحَدُّ: المَنعُ [1] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 140)، ((تاج العروس)) للزبيدي (8/ 11). .
واصطِلاحًا: عُقوبةٌ مُقدَّرةٌ وجَبَت حَقًّا للهِ أو لآدَميٍّ [2] هذا التَّعريفُ عِندَ الجُمهورِ. يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 155)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 158)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/ 288). .
وقيل: عُقوبةٌ مُقدَّرةٌ وجَبَت حقًّا للهِ تعالى [3] هذا التَّعريفُ عندَ الحَنَفيَّةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 163)، ((الدر المختار)) للحصكفي (4/ 3). وعلى هذا فالفَرقُ بَينَ الحَنَفيَّةِ والجُمهورِ: أنَّ الحَنَفيَّةَ حَدُّوه بحَقِّ اللهِ فقَط، أمَّا الجُمهورُ فحَدُّوه بحَقِّ اللهِ وحَقِّ الآدَميِّ. قال القرافي: (فحَقُّ اللَّه أمرُه ونَهْيُه وحَقُّ العبدِ مصالحُه والتَّكاليفُ على ثلاثةِ أقسامٍ: حَقُّ اللَّهِ تعالَى فقط كالإيمانِ وتحريمِ الكفرِ. وحقُّ العبادِ فقط كالدُّيونِ والأثمانِ. وقسمٌ اخْتُلِف فيه هل يُغَلَّبُ فيه حَقُّ اللَّهِ أوْ حَقُّ العبدِ كحَدِّ القذفِ. ونَعْني بحَقِّ العبدِ المَحْضِ أنَّه لو أسْقَطَه لسَقَط وإلَّا فما مِنْ حَقٍّ للعبدِ إلَّا وفيه حَقٌّ للَّه تعالَى وهو أمرُه بإيصالِ ذلك الحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه فيُوجَدُ حَقُّ اللَّهِ تعالَى دُونَ حَقِّ العبدِ ولا يُوجَدُ حَقُّ العبدِ إلَّا وفيه حَقُّ اللَّهِ تعالَى وإنَّما يُعْرَفُ ذلك بصِحَّةِ الإسقاطِ فكلُّ ما للعبدِ إسقاطُه فهو الَّذي نَعْني به حقَّ العبدِ وكلُّ ما ليسَ له إسْقاطُه فهو الَّذي نَعْني بأنَّه حَقُّ اللَّهِ تَعالَى) ((الفروق)) (1/140). وقال ابنُ القيِّمِ: (والحُقوقُ نَوعانِ: حَقٌّ للَّه، وحَقٌّ لآدميٍّ، فحقُّ اللَّه لا مَدْخَلَ للصُّلحِ فيه، كالحُدودِ والزَّكوَاتِ والكفَّاراتِ ونحوِها، وإنَّما الصُّلحُ بينَ العبدِ وبينَ ربِّه في إقامتِها، لا في إهمالِها، ولهذا لا تُقْبَلُ الشَّفاعَةُ في الحُدودِ، وإذا بلَغتِ السُّلطانَ فلَعَن اللَّه الشَّافِعَ والمُشَفَّعَ. وأمَّا حُقوقُ الآدَميِّينَ؛ فهي التي تَقْبَلُ الصُّلحَ والإسْقاطَ والمعاوَضةَ عليها). ((إعلام الموقعين)) (2/202). .

انظر أيضا: