الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالثُ: دِيَةُ مَن قَتَل نَفسَه


لا دِيةَ على مَن قَتَل نَفسَه، ويَكونُ هَدرًا، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابلةِ ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء: 92] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لم يَقُلْ: مَن قَتَل نَفسَه خَطَأً، وإنَّما جَعَل العَقلَ فيما أصابَ به إنسانٌ إنسانًا، ولم يَذكُرْ ما أصابَ به نَفسَه .
2- قَولُه تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء: 92] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أُريدَ بها إذا قَتَل غَيرَه، بدَليلِ قَولِه: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء: 92] ، وقاتِلُ نَفسِه لا تَجِبُ فيه دِيةٌ، بدَليلِ قَتلِ عامِرِ بنِ الأكوَعِ .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجنا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خَيبَرَ، فسِرنا ليلًا، فقال رَجُلٌ مِنَ القَومِ لعامِرٍ: يا عامِرُ، ألَا تُسمِعُنا مِن هُنَيهاتِك؟ وكان عامِرٌ رَجُلًا شاعِرًا، فنَزَل يَحدو بالقَومِ... فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن هذا السَّائِقُ؟ قالوا: عامِرُ بنُ الأكوَعِ، قال: يَرحَمُه اللهُ! قال رَجُلٌ مِنَ القَومِ: وجَبَت يا نَبيَّ اللهِ، لولا أمتَعتَنا به! فأتَينا خَيبَرَ فحاصَرناهم حتَّى أصابَتنا مَخمَصةٌ شَديدةٌ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تعالى فتَحَها عليهم، فلمَّا أمسى النَّاسُ مَساءَ اليَومِ الذي فُتِحَت عليهم أوقَدوا نيرانًا كَثيرةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذه النِّيرانُ؟ على أيِّ شَيءٍ توقِدونَ؟ قالوا: على لحمٍ، قال: على أيِّ لحمٍ؟ قالوا: لحمُ حُمُرِ الإنسيَّةِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أهريقوها واكسِروها، قال رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أو نُهريقُها ونَغسِلُها؟ قال: أوْ ذاكَ، فلمَّا تَصافَّ القَومُ كان سَيفُ عامِرٍ قَصيرًا فتَناوَل به ساقَ يَهوديٍّ ليَضرِبَه، ويَرجِعُ ذُبابُ سَيفِه، فأصابَ عَينَ رُكبةِ عامِرٍ، فماتَ مِنهـ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لم يُنقَلْ أنَّ عامِرَ بنَ الأكوَعِ وُدِيَ، ولو وجَبَت لبَيَّنها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولنُقِل ظاهِرًا .
ثالثًا: لأنَّ الدِّيةَ مِن حُقوقِه، فسَقَطَ عنه .
رابعًا: لأنَّ أَرشَ العَمدِ في مالِ الجاني، والإنسانُ لا يَثبُتُ له مالٌ على نَفسِه .

انظر أيضا:

  1. (1) ((العناية)) للبابرتي (10/231).
  2. (2) ((التاج والإكليل)) للمواق (6/268)، ((كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي)) (2/308).
  3. (3) ((روضة الطالبين)) للنووي (9/362)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (9/25).
  4. (4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/13).
  5. (5) قال العِمرانيُّ: (وإن قَتَل الرَّجُلُ نَفسَه أو جَنى على طَرَفِه عَمدًا.. كان ذلك هَدرًا، وهو إجماعٌ). ((البيان)) (11/590).
  6. (6) يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/520).
  7. (7) يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/515).
  8. (8) أخرجه البخاري (4196) واللفظ له، ومسلم (1802).
  9. (9) يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/13).
  10. (10) يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/357). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/514).
  11. (11) يُنظر: ((البيان)) للعمراني (11/590).