موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثاني: مطابقةُ (أفعل) التفضيلِ لِما قَبْلَه


يختَلِفُ حُكمُ إفرادِ وتثنيةِ وجمعِ وتذكيرِ وتأنيثِ أفعَلِ التفضيلِ حَسَبَ حالِه بين الإفرادِ والإضافةِ والتعريفِ بـ(أل):
إذا كان مُفرَدًا مُجَرَّدًا من التعريفِ والإضافةِ، فهو لازمٌ للإفرادِ والتذكيرِ. تَقولُ: زيدٌ أعلمُ من سعدٍ، وهندُ أقصرُ من عليٍّ، والرِّجالُ أقوى من النِّساءِ، والمؤمنون أنفَعُ من الكافِرين.
إذا كان مُضافًا إلى نكرةٍ، فهو لازمٌ للإفرادِ والتذكيرِ كذلك. تَقولُ: زيدٌ أفضَلُ رَجُلٍ، وهِندٌ أفضَلُ امرأةٍ، والعَرَبُ أسمى جِنسٍ.
إذا كان مَعرِفةً وجَبَ مُطابقتُه لِما قَبلَه في العَدَدِ والجِنسِ. تَقولُ: زيدٌ الأفضَلُ، وهندٌ الفُضْلى، والمُسلِمون الأفاضل، والمُسلِمات الفُضْلَيَات.
إذا كان مضافًا إلى مَعرِفةٍ، فهذا يجوزُ فيه المطابقةُ، ويجوزُ فيه الإفرادُ والتذكيرُ. تَقولُ: زيدٌ أفضَلُ النَّاسِ، وهندٌ أفضَلُ النِّساءِ، المُسلِمون أفضَلُ الأُمَمِ، المؤمناتُ أفضَلُ النساءِ، وهذا على لزومِ الإفرادِ والتذكيرِ، أمَّا على المطابقةِ فتَقولُ: زيدٌ أفضَلُ النَّاسِ، هندٌ فُضْلَى النِّساءِ، المُسلِمون أفاضِلُ الأُمَمِ، المؤمناتُ فُضْلَيَاتُ النِّساءِ. ومنه قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» ؛ فجمع فيها بين لزومِ الإفرادِ والتذكيرِ في "أحب، أقرب" وطابَقَ في "أحاسِنِكم".
إذا لم يكُنِ المقصودُ من "أفعل" التفضيلَ، ولا نُوِيَ في الجُملةِ معنى "مِن"، فهنا يجِبُ المطابقةُ. تَقولُ: "الناقِصُ والأشَجُّ أعْدَلَا بني مروانَ"؛ تريد: عادِلَا بني مروانَ، والمرادُ بالنَّاقِصِ: يزيدُ بنُ الوليدِ بنِ يزيدَ بنِ عبدِ المَلِكِ، وبالأشَجِّ: عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ.
وكثيرًا ما يأتي وزنُ أفعَلَ على غيرِ إرادة التفضيلِ، ومنه قَولُه تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ [الإسراء: 25] ، أي: عليمٌ، وقَولُه تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] ، أي: وهو هيِّنٌ. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
إنَّ الذي سمك السَّماءَ بنى لنا
بيتًا دعائِمُه أعَزُّ وأطوَلُ
أي: عزيزةٌ طويلةٌ.
ولا يجوزُ تقديمُ "مِن" ومجرورِها على "أفعل" إلَّا إن كان مجرورُها له الصَّدارةُ، وهو أن يكونَ اسمَ استفهامٍ. تَقولُ: ممَّن أنت أطوَلُ؟ من أيِّهم هو أفضَلُ؟ أو كان مجرورُها مضافًا إلى اسمِ استفهامٍ. تَقولُ: مِن غلامِ أيِّهم أنت أطوَلُ؟
فإن لم يكُنِ المجرورُ مِمَّا له الصَّدارةُ لم يجُزْ تقديمُه إلَّا قليلًا في الشِّعرِ، نحوُ قَولِ الشَّاعِر:
فقالت لَنَا: أَهْلًا وسَهْلًا، وزَوَّدَتْ
‌جَنَى ‌النَّحْلِ ‌أو ‌ما ‌زَوَّدَتْ منه أَطْيَبُ
وقَولُ آخَرَ:
ولا عَيبَ فيها غيرَ أنَّ سَريعَها
قُطوفٌ وأنْ لَا شَيءَ منه أكسَلُ
ولا يجوزُ الفَصلُ بين أفعَلَ ومجرورِه بأجنبيٍّ، بل يجوزُ الفَصلُ بمعمولِ أفعَلَ، وبالظَّرفِ والجارِّ والمجرورِ. تَقولُ: أنت أفضَلُ عندي من عليٍّ، زيدٌ أحسنُ وجهًا من عمرٍو. وقد جاء الفَصلُ بالجارِّ ومَعمولِ الفِعْلِ معًا في قَولِ الراجز:
لأكلةٌ من أَقِطٍ وسَمْنِ
أليَنُ مَسًّا في حشايا البَطْنِ
من يثربيَّاتٍ قِذاذٍ خُشْنِ
ففَصَل بين "ألْيَن" وبين "من يثربيَّات" بمعمول أفعل "مسًّا" وبالجارِّ والمجرورِ "في حشايا".

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه الترمذي (2018)، والخرائطي في ((مساوئ الأخلاق)) (59)، والطبراني في ((مكارم الأخلاق)) (6) من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما.