موسوعة اللغة العربية

المطلَبُ الثَّالِثُ: جمالُ الدِّينِ ابنُ نُباتةَ


هو: جمالُ الدِّينِ، أبو بكرٍ، محمَّدُ بنُ محمَّدِ بنِ محمَّدٍ الحَسَنُ، الجُذاميُّ الفارقيُّ المِصريُّ، ابنُ نُباتةَ. النَّاظِمُ النَّاثِرُ، وُلِدَ سَنةَ (686هـ)، كان صاحِبَ السِّرِّ للسُّلطانِ حَسَنٍ في القاهِرةِ. من تصانيفِه: (سَرحُ العُيون في شَرحِ رِسالةِ ابنِ زَيدون)، (سلُوك دُوَلِ المُلوك)، (ديوانُ شِعرٍ). توفِّي سنَة (768هـ) [135] يُنظَر: ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (1/ 234)، ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) للسيوطي (1/ 571). .
ومِن مُكاتباتِه رِسالةُ ولايةِ نابُلُسَ لأحَدِ الأُمَراءِ، فيها: (أمَّا بَعدَ حمدِ اللهِ على ما هَنَّأ من المواهِب، وهيَّأ من عَلِيِّ المراتِب، وأنجَزَ مِن وُعودِ السُّعودِ بَعدَ مِطالِ المطالِب، وزيَّن من سماءِ الوظائِفِ عِندَ إزهائِها بزينةِ الكواكِب، وعمَّرَ من صُدورِ الوُلاةِ والوِلايةِ بعليٍّ تُثني عليه الرَّعيَّةُ، ولو سكَتوا أثنَتْ عليه الحقائِب، والصَّلاةُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ؛ عَبدِه ورَسولِه الذي جرَّد لنَصرِ الإيمانِ حَدَّهُ القاضِب، وحِزْبَه الغالِب، ونَدَب لإحياءِ الحقِّ عليه بعدما همَّت به النَّوادِب [136] المخاطِرُ. يُنظَر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/597). ، وعلى آلِه وصَحْبِه الذين هم في المماتِ جمالُ الكُتُبِ كما كانوا في الحياةِ جَمالَ الكتائِب، صلاةً تتعَطَّرُ بنَفَحاتِها الصَّبا، وتتَقَطَّرُ مِن خَلفِ سَراها الجَنائِب [137] جمعُ جَنوبٍ، وهي الرِّيحُ التي تهبُّ من جهةِ الجَنوبِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/282). .
فإنَّ عقائِلَ [138] جمعُ عَقيلةٍ، وهي الكريمةُ من كُلِّ شيءٍ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/939). الولاياتِ أَولى بخِطبةِ أَكْفائِها، ورَغبةِ السَّراةِ [139] جمعُ السَّرِيِّ، وهو الشَّريفُ. يُنظَر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (13/38). من ذوي اصطِفائِها، ونِسبةِ مَن يقومُ للأمورِ المعلَّلةِ بقانونِها وشِفائِها. ولمَّا كانت بلَدُ نابُلُسَ المحروسةِ من أعلى عقائِلِ البلادِ قَدْرًا، وأمرَأِ الجهاتِ أَمْرًا، وأسرى الولاياتِ محَلًّا وذِكرًا، وأوفى النَّواحي من زمانِ بني أيُّوبَ على تكاليفِ المُلْكِ صبرًا، وأنزَهِ البِقاعِ التي لو رآها المَلِكُ المِصريُّ لما استغلى غُوطةَ الشَّامِ بشِبْرَينِ مِن شَبْرا؛ بلدٌ أعارَتْه الحمامةُ طوقَها، وحمَّلت الثَّناءَ فوقَ طَوقِه، ونَجَمَ نباتُ واديها الزَّهْرَ حتَّى تَساوى النَّجمانِ [140] أي: النَّجمُ الذي هو النَّباتُ الذي لا ساقَ له، والنَّجمُ الذي في السَّماءِ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/495). من تحتِه ومن فَوقِه- تعيَّن أن يُختارَ لولايتِها مَن تعيَّن وَلاؤه، وتمكَّن في الرُّتَبِ عَلاؤه، وتبيَّن في مصالحِ الولاياتِ احتِفالُه واحتِفاؤه، وشُهِرَ وفاؤُه بالخِدمةِ فلا شَرَفَ بسَعيٍ إلَّا له منه شِينُه وراؤه وفاؤه، مَن شَهِدَت السَّواحِلُ الشَّاميَّةُ في مباشَرتِه أنَّه أجرى منها المالَ بَحرًا، وأفاض الوَصفَ دُرًّا، وشَهِدَت الزَّكاةُ -وديوانُها المادِحُ- أنَّه أفلَحَ مَن زكَّاها خُبْرًا وخَبَرًا) [141] ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) للقلقشندي (12/ 318). .
ومن غُرَرِ توقيعاتِه: توقيعُه لنيابةِ قَلعةِ حِمصَ، وهي: (رَسْمٌ بالأمرِ -لا زال يَندُبُ لخدمةِ قلاعِه كلَّ سيفٍ مختبَر، ومجرَّبٍ عَبَرَت عليه العِبَر، ومؤدٍّ لفرائِضِ الخِدمةِ: إمَّا بقيامٍ عِندَ الصِّبا، وإمَّا بقعودٍ عِندَ الكِبَرْ- أن يُرَتَّبَ فلانٌ في نيابةِ قَلعةِ حِمصَ المنصورةِ إجابةً لسؤالِه فيما سأله: من التَّوفُّرِ على مواصَلةِ الصَّلواتِ، ورَفعِ الدَّعَواتِ، وجمع ثوابَيِ الجِهادِ والخَلَوات، وتَقَضِّي باقي العُمُرِ وادعًا، متنَسِّكًا طائعًا، إذا بكى بجوارِه حتَّى النَّهرِ العاصي رقَّ عليه فما يَعدَمُ منه بُكَا.
فلْيُباشِرْ نيابةَ هذه القلعةِ العَليِّ خَبَرُها ومَخبَرُها، المَلِيِّ سَماعُها ومَنظَرُها، المطلَّةِ على مراكزِ الرِّماحِ المشهورة، ومَهابِّ الرَّياحِ: إمَّا بغَيثِ السِّهامِ مُمْطِرةٌ، وإمَّا بسِهامِ الغَيثِ ممطورة، المجاورةِ لسَيفِ اللهِ خالدٍ؛ فهي بإعرابِ المجاوَرةِ منصورةٌ غيرُ مكسورة، مُعتبِرًا لأحوالِها، مُستدعيًا لما تحتاجُ إليه من عُدَدِها وعَدَدِ رِجالِها، مُحصِّنًا باستدعاءِ السِّلاحِ وسِلاحِ الأدعيةِ الجديرَينِ بأمثالِها) [142] ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) للقلقشندي (12/ 324). .

انظر أيضا: