موسوعة اللغة العربية

المطلَبُ الثَّاني: ابنُ عبدِ الظَّاهِرِ


هو أبو الفَضلِ، محيي الدِّينِ، عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الظَّاهِرِ بنِ نَشوانَ، الجُذاميُّ السَّعديُّ، الكاتبُ النَّاظِمُ النَّاثِرُ، شَيخُ أهلِ التَّرسُّلِ، الجاري على منوالِ القاضي الفاضِلِ. وُلِدَ سَنةَ (620هـ)، وأخذ العِلمَ عن ابنِ سَيِّدِ النَّاسِ، وأبي حيَّانَ، والبِرْزاليِّ، وغيرِهم، وكانت له طريقةٌ بديعةٌ في الكتابةِ، تولَّى ديوانَ الإنشاءِ، وخَلَفه عليه ولَدُه القاضي فَتحُ الدِّينِ محمَّد. من تصانيفِه: (الرَّوضةُ البَهيَّةُ الزَّاهِرة في خُطَطِ المُعِزِّيَّةِ القاهِرة)، (سيرةُ الظَّاهِرِ بِيبَرْس)، (تشريفُ الأيَّامِ والعُصور في سِيرةِ محمَّدِ بنِ قلاوونَ المنصور)، (الألطافُ الخَفيَّةُ في سيرةِ المَلِكِ الأشرَفِ خليلِ بنِ قَلاوون)، (تمائِمُ الحَمائِم). توفِّيَ سنةَ (692هـ) [129] يُنظَر: ((فوات الوفيات)) لابن شاكر (2/ 179)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (17/ 135). .
ومن بديعِ ما جرى به قلَمُه ما عَهِدَ به المنصورُ قَلاوونُ لوَلَدِه الصَّالحِ عليٍّ، وفيه: (الحمدُ للهِ الذي شرَّف سريرَ المُلْكِ منه بعَلِيِّه، وحاطه منه بوَصيِّه؛ وعضَّد منصورَه بولايةِ عَهدِ صالِحِه، وأسمى حاتمَ جُودِه بمكارِمَ حازها بسَبْقِ عَدِيِّه، وأبهَجَ خَيْرَ الآباءِ مِن خيرِ الأبناء بمن سُمُوُّ أبيه منه بشَريفِ الخُلُقِ وأبيِّه، وغذَّى رَوْضَه بمتابعةِ وَسْمِيِّه وبمُسارعةِ وَليِّه.
نحمَدُه على نِعَمِه التي جمَعَت إلى الزَّهرِ الثَّمَر، وداركَتْ بالبَحرِ وباركَتْ في النَّهَر، وأجمَلَت المبتدَأَ وأحسَنَت الخَبَر، وجمَعَت في لَذاذةِ الأوقاتِ وطِيبِها بَيْنَ رَونقِ الآصالِ ورقَّةِ البُكَر، ونَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له شهادةً نُلبِسُ الألسنةَ منها في كلِّ ساعةٍ ثوبًا جديدًا، ونتفيَّأُ منها ظِلًّا مديدًا، ونستقرِبُ من الآمالِ ما يراه سوانا بعيدًا. ونصلِّي على سيِّدِنا محمَّدٍ الذي طهَّر اللهُ به هذه الأمَّةَ من الأدناس، وجعَلَها بهدايتِه زاكيةَ الغِراس، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصَحْبِه الذين منهم مَن فُهِمَ حُسنُ استِخلافِه بالأمرِ له بالصَّلاةِ بالنَّاس، ومنهم من بنى اللهُ به قواعِدَ الدِّينِ وجَعَلها موطَّدةَ الأساس، ومنهم من جهَّز جيشَ العُسرةِ وواسى بمالِه حينَ الضَّرَّاءِ والباس، ومنهم من قال عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لأعطيَنَّ الرَّايةَ غدًا رجلًا يحبُّه اللهُ ورَسولُه، ويحبُّ اللهَ ورسولَه» [130] أخرجه البخاري بنحوه (3009). فحَسُنَ الالتِماسُ بذلك والاقتِباس، وزاد في شَرَفِه بأن طهَّر أهلَ بيتِه وأذهَبَ عنهم الأرجاس، صلاةً لا تزالُ تتردَّدُ تَرَدُّدَ الأنفاس، ولا تَبْرَحُ في الآناءِ حَسَنةَ الإيناس ...) [131] يُنظَر: ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) للقلقشندي (10/ 177). .
وكتَبَ في تقليدِ المدرسةِ الصَّلاحيَّةِ المجاورةِ لقَبرِ الإمامِ الشَّافعيِّ -رحمه اللهُ- لقاضي القُضاةِ تقيِّ الدِّينِ ابنِ تاجِ الدِّينِ ابنِ بِنتِ الأعَزِّ: (الحَمدُ للهِ شافي عِيِّ البحثِ بخيرِ إمامٍ شافعيّ، والآتي منه في الزَّمَنِ الأخيرِ بمن لو كان في الصَّدرِ الأوَّلِ لأثنى على وَرَعِه ودينِه كلُّ صحابيٍّ وتابعيّ، ومفيدِ الأسماعِ مِن وجيزِ قَولِه المحرَّرِ ما لولا السَّبْقُ لَما عَدَل إلى شَرحِ وجيزِ سِواه الرَّافعيّ.
نحمَدُه على نِعَمٍ ألهَمَت وَضعَ الأشياءِ في محلِّها، واستيداعَها عِندَ أهلِها، وتَأتِّيَها بما يزيلُ الإشكالَ بانجذابِ مَن شَكلُه مُناسِبٌ لشَكْلِها... وبعدُ، فلمَّا كان مذهَبُ الإمامِ الشَّافعيِّ «محمَّدِ بنِ إدريسَ» رَضِيَ اللهُ عنه هو شُهدةَ المتلفِّظ، وكفايةَ المتحفِّظ، وبَهجةَ المتلحِّظ، وطرازَ مَلْبَس الهُدى، وميدانَ الاجتهادِ الذي لا تَقِفُ أعِنَّةُ جِيادِه عن إدراكِ المدى؛ وقد تجمَّلَت ديارُ مِصرَ مِن بَركةِ صاحِبِه بمن تُشَدُّ إليه الرِّحال، وتَفخَرُ جَبَّانةٌ [132] أي: المقبَرةُ. يُنظَر: ((معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية)) لأحمد تيمور (3/17). هو فيها حالّ، وجِيدٌ هُو بجواهِرِ عُلومِه حالْ، ومَن يحسُنُ إلى ضريحِه المُنيفِ الاستِناد، وإذا قُرِئَت كتُبُه لديه قيل: ما أبعَدَ هذا المرمى الأسنى! وما أقرَبَ هذا الإسناد! وما أسعَدَ حَلْقةً تُجمَعُ بَيْنَ يَدَيْ جَدَثِه [133] الجَدَثُ: القَبرُ، والجَمعُ: أجداثٌ. يُنظَر: ((العين)) للخليل بن أحمد (6/73). يتصدَّرُ فيها أجلُّ حَبْر، ويتصدَّى لنَشرِ العلومِ بها مَن عُرِفَ بحُسنِ السِّيرةِ عِندَ السَّبْر، ومَن لولا خَرقُ العوائِدِ لأجاب بالشُّكرِ والثَّناءِ عليه صاحبُ ذلك القَبْر، كلَّما قال: «قال صاحِبُ هذا القَبْرِ»- حَسُنَ بهذه المناسبةِ ألَّا ينتَصِبَ في هذا المنصِبِ إلَّا من يَحمَدُ هذا السَّيدُ الإمامُ جوارَه، ومن يُرضيه منه -رَضِيَ اللهُ عنه- حُسْنُ العِبارة، ومَن يستحِقُّ أن يتصدَّرَ بَيْنَ نجومِ العُلَماءِ بدارةِ تلك الخِطَّةِ فيُقالَ: قد جمَّل اللهُ به دارةَ هذا البَدرِ، وعمَّرَ به من هذا المُدَرِّس دارَه ...) [134] ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) للقلقشندي (11/ 228). .

انظر أيضا: