موسوعة اللغة العربية

المطلَبُ الخامِسُ: الهِجاءُ


أخَذ الهِجاءُ في العَصرِ المملوكيِّ منحًى جديدًا؛ حيثُ لم يَعُدِ الهِجاءُ متعَلِّقًا بالقبائِلِ والأنسابِ؛ إذ كان المماليكُ من أجناسٍ مختَلِفةٍ ولا يُعرَفُ لهم نَسَبٌ، كما أنَّ الهِجاءَ امتَزَج برُوحِ الدُّعابةِ والهَزْلِ وقَصْدِ الإضحاكِ في الغالِبِ، فهذا أبو الحُسَينِ الجزَّارُ يهجو امرأةَ أبيه، فيقولُ [49] يُنظَر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (17/ 570). : السريع
تزَوَّجَ الشَّيخُ أبي شيخةً
ليس لها عَقلٌ ولا ذِهْنُ
كأنَّها في فَرشِها رِمَّةٌ
وشَعْرُها مِن حَولِها قُطْنُ [50] الرِّمَّةُ تُطلَقُ على أشياءَ: منها العِظامُ الباليةُ، والأَرَضةُ، والنَّملةُ ذاتُ الجناحينِ، وعلى ما تعفَّنَ من جَسَدِ الميِّتِ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/803).
وقائِلٌ قال لي كم سِنُّها
فقُلتُ ما في فَمِها سِنُّ
لو سَفَرَت غُرَّتَها في الضُّحى
ما جَسَرَتْ تُبصِرُها الجِنُّ
ولابنِ بنيمانَ يهجو الشِّهابَ التَّلَّعْفَريَّ إذ قامَر بثيابِه حتَّى بخِفافِه، وأنشَدَها للمَلِكِ النَّاصِرِ [51] يُنظَر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (51/264). : الخفيف
يا مَليكًا فاق الأنامَ جميعًا
منه جُودٌ كالعارِضِ الوكَّافِ [52] العارِضُ الوكَّافُ: السَّحابُ يَقطُرُ مَطَرًا. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/174) و (9/362).
والذي راشَ بالعَطايا جناحي
وتَلَافَى بَعدَ الإلهِ تَلَافِي
ما رأينا ولا سَمِعْنا بشَيخٍ
قبلَ هذا مُقامرٍ بالخِفافِ
وبها كم يُدَقُّ في كُلِّ يومٍ
في قَفاه والرَّأسِ والأكتافِ
أسوَدُ الوَجهِ أبيَضُ الشَّعْرِ في لو
نٍ سَحيمٍ في قُبْحِهِ وخِفَافِ
يَدَّعِي نِسبةً إلى آلِ شَيبا
نَ وتلك القبائلِ الأشرافِ
وهُمُ يُنْكِرون ما يَدَّعيهِ
فَهْوَ والقَومُ دائمًا في خِلافِ
مِثلُ نجدٍ لو استطاعت لقالت
ليس هذا الدَّعِيُّ من أكنافِ
فابسُطِ العُذْرَ في هِجاءِ رقيعٍ
عادلٍ عن طريقةِ الإنصافِ
وقد شاع بَيْنَهم هجاءُ الشَّاعرِ نفسَه؛ فمن ذلك قولُ السَّراجِ الوَرَّاقِ، يهجو صورتَه حيثُ يُشبِهُ الرُّومَ في زُرقةِ عَينَيه ولونِ شَعرِه، إلَّا أنَّه يركَبُ حمارًا، فيقولُ [53] يُنظَر: ((فوات الوفيات)) لابن شاكر الكتبي (3/140)، ((النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)) لابن تغري بردي (8/84). : الرجز
ومَن رآني والحِمارُ مركبي
وزُرْقَتي للرُّومِ عِرقٌ قد ضَرَبْ
قال وقد أبصَرَ وَجهيَ مُقبلًا
لا فارِسَ الخيلِ ولا وَجهَ العَرَبْ
كما هَجَوُا الدَّيارَ والملابسَ وغيرَها ممَّا لا يَعقِلُ؛ تعبيرًا عن فَقرِهم، فهذا أبو الحُسَينِ الجَزَّارُ يهجو بيتَه، فيقولُ [54] يُنظَر: ((خزانة الأدب وغاية الأرب)) لابن حجة الحموي (2/61). : المتقارب
ودارٍ خرابٍ بها قد نزلْتُ
ولكِنْ نزلتُ إلى السَّابعَةْ
طريقٌ من الطُّرْقِ مسلوكةٌ
فحُجَّتُها للوَرى شاسِعَةْ
فلا فرقَ ما بَيْنَ أنِّي أكونُ
بها أو أكونُ على القارِعَةْ
تُساوِرُها هَفَواتُ النَّسيمِ
فتُصْغِي بلا أُذْنٍ سامِعَةْ
وأخشى بها أن أقيمَ الصَّلاةَ
فتسجُدَ حِيطانُها راكِعَةْ
إذا ما قرأتُ إذا زُلزِلَتْ
خَشِيتُ بأن تقرَأَ الواقِعَةْ
وقال الشَّاعِرُ ابنُ الأعمى في وَصفِ حمَّامٍ [55] يُنظَر: ((فوات الوفيات)) لابن شاكر الكتبي (3/91)، ((شذرات الذهب في أخبار من ذهب)) لابن العماد (7/736). : الخفيف
إنَّ حمَّامَنا الذي نحنُ فيه
قد أناخ العذابُ فيه وخيَّمْ
مُظْلِمُ الأرضِ والسَّما والنَّواحي
كلُّ عيبٍ من عَيبِه يُتعَلَّمْ
حَرِجٌ بابُه كطاقةِ سِجنٍ
شَهِد اللهُ من يُجْزَ فيه يَندَمْ
وبه مالِكٌ غدا خازِنَ النَّا
رِ بلى مالِكٌ أرَقُّ وأرحَمْ
كلَّما قُلتُ قد أطَلْتَ عذابي
قال لي اخسَأْ فيه ولا تتكَلَّمْ
قلتُ لمَّا رأيتُه يتلظَّى
ربَّنا اصرِفْ عنَّا عذابَ جهنَّمْ

انظر أيضا: