تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أبو البَرَكات، نورُ الدِّينِ، عبدُ الرَّحمنِ بنُ أحمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الجامي، الدشتيُّ، الخُراسانيُّ، المفسِّرُ، النَّحْويُّ. مَولِدُه: وُلِد سَنةَ سبعَ عشرةَ وثَمان مِائةٍ. مِن مشايخِه: مُحَمَّد الجاجرمي، وسَعدُ الدِّينِ الكاشغريُّ. ومِن تَلامِذَتِه: حَسَنُ بنُ عِليٍّ الحَصْكَفيُّ. مَنزِلتُه ومكانتُه: الإمامُ العَلَّامةُ المُحَقِّقُ المُدَقِّقُ الصُّوفيُّ، عالِمٌ مُشارِكٌ في العُلومِ العَقليَّة والنَّقليَّة، وكان مِنَ العُلماءِ الْكِرَامِ ومَشهورًا بأنواعِ الْعُلومِ والفُنونِ، وفَضائِلُه ومناقِبُه مُستغنيةٌ عَن التَّفْصِيل، اشتغل بالعُلومِ أكمَلَ اشْتِغَالٍ حَتَّى برع في جَمِيع المعارِفِ، ثمَّ صَحِبَ مَشَايِخ الصُّوفِيَّةِ فنال من ذَلِك حظًّا وافِرًا، وَكَانَ لَهُ شهرةٌ بِالْعلمِ فِي خُرَاسَان وَغَيرهَا من الدِّيارِ حَتَّى إنَّه استدعاه سُلْطَانُ الرُّومِ بايَزيد خَان إلى مَمْلَكَته وَأرْسل إليه بجوائِزَ سَنِيَّةٍ، وَكَانَ غَرَضُ السُّلْطَان فِي استدعائِه أَنه خَطَر لَهُ في بعض الْأَوْقَات الِاخْتِلَافُ ما بين الصُّوفِيَّةِ وعُلَماءِ الْكَلَامِ والحُكَماءِ، فَأَرَادَ أَن يَجْعَل صَاحِبَ التَّرْجَمَة حكَمًا بَين هَذِه الطَّوائِفِ، فسافر من بِلَاد خُرَاسَان إِلَى جِهَاتِ الرُّومِ، فَلَمَّا انْتهى إلى هَمدَان قَالَ للذي أرْسلهُ السُّلْطَانُ إليه: إنِّي قد امتَثَلْتُ أمْرَ السُّلْطَانِ حَتَّى وصلُت إلى هُنَا وَبعد ذَلِك أتشَبَّثُ بذَيلِ الِاعْتِذَارِ لأني لَا أقدِرُ على الدُّخُولِ إلى بِلَاد الرُّومِ لِما أسمع فِيهَا من مَرَضِ الطَّاعُونِ. عَقيدتُه: كان الجامِي صُوفِيًّا على اعتِقادِ فلاسِفةِ المتصَوِّفةِ، أمثالِ ابنِ عَرَبي وابنِ سَبعينَ وابنِ الفارِضِ وغَيرِهم، الذين يعتَقِدون بالحُلولِ والاتحادِ ونحوِ ذلك، وقد أومَأَ ابنُ العِمادِ إلى نحوِ ذلك حينَ قال: ((صَحِبَ مَشايخَ الصُّوفيَّةِ وتلقَّنَ الذِّكرَ مِنَ الشَّيخِ سَعدِ الدِّينِ الكاشغريِّ ... وكَتَب على أوائِلِ القُرآنِ العظيمِ تفسيرًا أبرَزَ فيه بعضًا مِن بُطونِ القُرآنِ العظيمِ وغوامِضِه)) ؛ فإنَّهم الذين يظُنُّون أنَّ للقُرآنِ تفسيرًا باطنًا إشاريًّا. ولا أدَلَّ على نزعَتِه تلك من أنَّه شَرَح كتابَ فُصوصِ الحِكَم لابنِ عَرَبي، على ما فيه من الطَّوامِّ! ومِن أقوالِه التي يتجَلَّى فيها صريحُ مَذهَبِه: ((ثمَّ إنَّ مُستَنَدَ الصُّوفيَّةِ فيما ذَهَبوا إليه هو الكَشْفُ والعِيانُ لا النَّظَرُ والبُرهانُ؛ فإنَّهم لمَّا توَجَّهوا إلى جَنابِ الحَقِّ سُبحانَه بالتَّعْريةِ وتفريغِ القَلْبِ بالكُلِّيَّةِ عن جَميعِ التعَلُّقاتِ الكَونيَّةِ والقوانينِ العِلْميَّةِ، مع توحُّدِ العزيمةِ ودوامِ الجَمعيَّةِ، والمواظَبةِ على هذه الطَّريقةِ دونَ فَترةٍ ولا تقسيمِ خاطِرٍ ولا تشَتُّتِ عزيمةٍ- مَنَّ اللهُ سُبحانَه عليهم بنُورٍ كاشِفٍ يُريهم الأشياءَ كما هي، وهذا النُّورُ يتجَلَّى في الباطِنِ عند ظُهورِ طَورٍ وراءَ طَورِ العَقلِ، ولا تَستَبْعِدَنَّ وُجودَ ذلك؛ فوراءَ العَقلِ أطوارٌ كثيرةٌ يكادُ لا يَعرِفُ عَدَدَها إلَّا اللهُ تعالى)) . وقال أيضًا: ((لَمَّا كان الواجِبُ تعالى عند جُمهورِ المتكَلِّمينَ حَقيقةً موجودةً بوُجودٍ خاصٍّ، وعندَ شَيخَيهم والحُكماءِ وُجودًا خاصًّا، احتاجوا إلى إثباتِ وَحدانيَّتِه ونَفْيِ الشَّريكِ عنه إلى حُجَجٍ وبراهينَ، كما أورَدوها في كُتُبِهم. وأمَّا الصُّوفيَّةُ القائِلون بوَحدةِ الوُجودِ فلَمَّا ظهَرَ عندهم أنَّ حقيقةَ الواجِبِ تعالى هو الوُجودُ المُطلَقُ، لم يحتاجوا إلى إقامةِ الدَّليلِ على توحيدِه ونَفْيِ الشَّريكِ عنه؛ فإنَّه لا يمكِنُ أن يُتوَهَّمَ فيه اثنينِيَّةٌ وتعَدُّدٌ مِن غيرِ أن يُعتَبَرَ فيه تعَيُّنٌ وتقيُّدٌ، فكُلُّ ما يُشاهَدُ أو يُتخَيَّلُ أو يُتعقَّلُ مِن المتعَدِّدِ فهو الموجودُ أو الوجودُ الإضافيُّ لا المُطلَقُ، نَعَم يقابِلُه العَدَمُ، وهو ليس بشَيءٍ)) . وقال أيضًا: ((وكُلُّ مُعتَقِدٍ فهو ظانٌّ ظنًّا غيرَ مُطابقٍ للواقعِ باعتِبارِ حَصْرِه في صُورةِ مُعتَقَدِه، وإن كان صادقًا باعتبارِ أنَّه من صُوَرِه، فهو ليس بعالمٍ بالأمرِ على ما هو عليه؛ ولذلك قال تعالى: ((أنا عندَ ظَنِّ عَبْدي بي )) أي: لا أظهَرُ له إلَّا في صورِة مُعتَقَدِه، فإن شاء الأمرَ على ما هو عليه أطلَقَ، وشاهد الحَقَّ في جميع ِالصُّوَرِ الاعتِقاديَّةِ وغَيرِها، وإن شاء قيَّد ببَعْضِها على ما هو عند أصحابِ النَّظَرِ والتَّقليدِ؛ فإلهُ المُعتَقَداتِ -أي: الإلهُ الذي له نِسبةٌ إلى صورةٍ خاصَّةٍ من الصُّوَرِ المعتَقَدةِ بالنِّسبةِ إلى كُلِّ مُعتَقِدٍ- تأخُذُه الحدودُ، وهو الإلهُ الذي وَسِعَه قَلبُ عَبدِه؛ فإنَّ الإلهَ المُطلَقَ من حيثُ إطلاقُه لا يَسَعُه شيءٌ؛ لأنَّه عَينُ الأشياءِ، وعَيْنُ نَفْسِه؛ فالوجودُ كُلُّه عَينُه ونَفْسُه، والشَّيءُ لا يقالُ فيه: يَسَعُ نَفْسَه، ولا أنَّه لا يَسَعُها، فافهَمْ؛ فإنَّ ذلك معنى إطلاقِه الذَّاتيِّ. هذا هو القَولُ الحَقُّ الذي لا سَبيلَ إليه إلَّا مَن خَلَص من المقَيَّدِ بالاعتِقاداتِ الجُزْئيَّةِ الفِكْريَّةِ أو التَّقليديَّةِ)) . مُصَنَّفَاتُه: مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((الفوائِدُ الضِّيائيَّة شَرْح الكافية لابن الحاجِب))، وكتاب: ((شرح الكافية فِي النَّحْو))، وكتاب: ((نقش النُّصُوص فِي شرح الفُصوص))، وَكتاب: ((شَوَاهِد النُّبُوَّة))، وكتاب: ((التَّفْسِير فِي أَوَائِل الْقُرْآن الْعَظِيم))، وكتاب: ((الدُّرَر الفاخرة)). وفاتُه: تُوفِّي في سَنةَ سبعَ عَشْرةَ وَثَمان مِائةٍ .