موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الخامِسَ عَشَرَ: نَشوانُ الحِمْيَريُّ (573هـ)


أبو سعيدٍ أو أبو الحَسَنِ نَشوانُ بنُ سَعيدٍ، اليمنيُّ، الحِمْيَريُّ، من نَسْلِ حَسَّانَ ذي مراثِد؛ من مُلوكِ حِمْيَر.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
القاضي الأميرُ الفَقيهُ، كان فاضِلًا عارِفًا باللُّغةِ والنَّحْوِ والتاريخِ وسائِرِ فُنونِ الأدَبِ، فَصيحًا بليغًا شاعِرًا مُجيدًا، كان يُفضِّلُ قَومَه اليمنيِّينَ على الحِجازيِّينَ ويُفاخِرُ عَدْنانَ بقَحْطانَ، استولى على قِلاعٍ وحُصونٍ، وقَدَّمه أهلُ جَبَلِ صَبر حتى صار مَلِكًا.
عَقيدتُه:
قال السُّيوطيُّ: (مُعتَزِليٌّ) [513] ينظر: ((بغية الوعاة)) للسيوطي (2/ 312). .
وقد ظَهَر في كُتُبِه نَزْعتُه الاعتِزاليَّةُ؛ فمنها قَولُه: ((وصِفاتُ الأَزَلِ للهِ تعالى عند أهلِ الكلامِ هي صفاتُ الذَّاتِ، وصِفاتُ الأزَلِ: العِلْمُ والقُدرةُ والحياةُ والقِدَمُ ونحوُ ذلك. قالت المعتَزِلةُ والمُرجِئةُ والخوارِجُ وبَعْضُ الزَّيديَّةِ: إِنَّ اللهَ تعالى لم يَزَلْ عالِمًا بنَفْسِه، قادرًا بنَفْسِه، حيًّا بنَفْسِه، قديمًا بنَفْسِه، لا بعلمٍ هو هو ولا غَيرِه. ولو صحَّ ذلك لكان إِيماءً إِلى شيئينِ: عِلْمٌ وعالِمٌ، وقُدرةٌ وقادرٌ، ولجاز أن تُعبَدَ الصِّفاتُ وتُستغفَرَ)) [514] ينظر: ((شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم)) لنشوان الحميري (1/ 245). .
وقال: ((والحَشْويَّةُ هذه أصلُ فِرَقِ الإِسلامِ، ثمَّ تفَرَّقَت كُلُّ فِرقةٍ منها فِرَقًا؛ وإِنَّما سُمِّيَت الحَشْويَّةَ لكَثرةِ روايتِها للأخبارِ، وقَبولِها ما ورد عليها من غَيرِ إِنكارٍ)) [515] ينظر: ((شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم)) لنشوان الحميري (3/ 1452). .
وقال: ((القَدَريَّةُ: فِرقةٌ ورد في الحديثِ أنَّها هالِكةٌ. فأهلُ العَدْلِ يُسَمُّون المجبِّرةَ: قَدَريَّةً؛ لأنَّهم يجعلون أفعالَ العِبادِ بقَضاءٍ وقَدَرٍ من اللهِ تعالى، والمُجَبِّرةُ يُسَمُّون أهلَ العَدْلِ: قَدَريَّةً؛ لإثباتِ أفعالِ العبادِ إليهم، ونَفْيِها عن اللهِ تعالى. والصَّحيحُ أنَّ القَدَريَّ: مَن جَعَل القبائِحَ قَدَرَ اللهِ تعالى)) [516] ينظر: ((شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم)) لنشوان الحميري (8/ 5393). .
وهذا فَضْلًا عن كتابِه «الحور العِين» الذي جعَلَه في بيانِ فِرَقِ المُسلِمين واختِلافِهم في أُمورِ العَقيدةِ، وقد صدَّر كُلَّ المسائِلِ ببيانِ مَذهَبِ المُعتَزِلةِ، كما وَسَم أهلَ السُّنَّةِ تارةً بالحَشْويَّةِ، وتارةً بالمشَبِّهةِ، وأُخرى بالمُرجِئةِ؛ فمن ذلك قَولُه: ((فأمَّا المُسلِمون، فهم سِتُّ فِرَقٍ: المُعتَزِلةُ، والمُرجِئةُ، والشِّيعةُ، والخوارجُ، والحَشْويَّةُ، والعامَّةُ. وهم مجمِعون على حَدَثِ العالَمِ ووَحْدانِيَّتِه، ثمَّ اختلفوا بعد ذلك في مَعبودِهم. فقالت المعتَزِلةُ كُلُّها، والخوارِجُ، والمُرجئةُ -إلَّا أبا حنيفةَ- والزَّيديَّةُ مِن الشِّيعةِ -إلَّا سُلَيمانَ بنَ جَريرٍ، فإنَّه خالف في العِلْمِ: إنَّ اللهَ تعالى واحِدٌ ليس كمِثْلِه شيءٌ، ولا تُدرِكُه الأبصارُ في دنيا ولا آخِرةٍ، ولا تُكَيِّفُه العُقولُ، ولا تَضبِطُه الأوهامُ، ولا تمثِّلُه القلوبُ، ولا تَحُدُّه الأفكارُ، ولا تَقطَعُه المقاديرُ، ولا تقَعُ عليه مِساحةٌ، وإنَّه غيرُ جِسمٍ، ولا له حُدودٌ ولا أقطارٌ، ولا يجوزُ عليه التنقُّلُ مِن مكانٍ إلى مكانٍ، ولا مِن حالٍ إلى حالٍ ...)) ثمَّ ذكر اختِلافَ المذاهبِ في هذا إلى أن قال: ((وقالت الحَشْويَّةُ: هو واحِدٌ ليس كمِثْلِه شَيءٌ، ومعنى ذلك: أي: ليس كمِثْلِه شَيءٌ في العَظَمةِ والسُّلطانِ والقُدرةِ والعِلْمِ والحِكْمةِ، وهو موصوفٌ عندهم بالنَّفْسِ واليَدِ والسَّمْعِ والبَصَرِ، وحُجَّتُهم في ذلك مِنَ الكتابِ قَولُه تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: 10] ، وقَولُه: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] ، وقَولُه تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] ، وقَولُه: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 134] . وقالوا: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] في الدُّنيا، ولكِنَّها تدرِكُه في الآخِرةِ، ويحتَجُّونَ بقَولِه تعالى: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] وبقَولِه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23] وبقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: (ستَرَونَ رَبَّكم يومَ القيامةِ كما تَرَونَ القَمَرَ ليلةَ أربَعَ عَشْرةَ) [517] أخرجه البخاري (4851)، ومسلم (633) باختلاف يسير من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه. فهذه خمسون مقالةً مِن اختلافِ النَّاسِ في صانِعِهم عزَّ وجَلَّ.)) [518] ينظر: ((الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 147). .
كما أسهب في بيانِ مَذهَبِ المعتَزِلةِ واختِلافاتِهم في الكتابِ؛ فمن ذلك قَولُه: ((وسُمِّيَت المعتَزِلةُ مُعتَزِلةً؛ لقولِهم بالمنزلةِ بين المنزِلَتينِ، وذلك أنَّ المسلِمينَ اختلفوا في أهلِ الكبائِرِ مِن أهلِ الصَّلاةِ. فقالت الخوارِجُ: هم كُفَّارٌ مُشرِكون. وقال بَعضُ المُرجئةِ: إنَّهم مُؤمِنون لإقرارِهم باللهِ ورَسولِه وبكِتابِه، وبما جاء به رَسولُه، وإن لم يَعمَلوا به. وقالت المعتَزِلةُ: لا نَسِمُهم بالكُفرِ ولا بالإيمانِ؛ ولا يقولون: إنَّهم مُشرِكون ولا مُؤمنون، ولكِنْ يقولون: إنَّهم فُسَّاقٌ؛ فاعتَزَلوا القولينِ جميعًا، وقالوا بالمَنزلةِ بين المنزلِتَينِ، فسُمُّوا المعتَزِلةَ. ومن النَّاسِ مَن يقولُ: إنَّما سُمُّوا مُعتَزِلةً؛ لاعتزالِهم مجلِسَ الحَسَن ِبنِ أبي الحَسَنِ البَصريِّ، وكان الذي اعتَزَله عَمرُو بنُ عُبَيدٍ ومن تَبِعَه، ذكَرَ ذلك ابنُ قُتَيبةَ في المعارِفِ.
ومن النَّاسِ من يقولُ: سُمُّوا مُعتَزِلةً؛ لاعتزالِهم عليَّ بنَ أبي طالبٍ عليه السَّلامُ في حُروبِه، وليس كذلك؛ لأنَّ جُمهورَ المُعتَزِلةِ وأكثَرَهم إلَّا القَليلَ الشَّاذَّ منهم، يقولونَ: إنَّ عَلِيًّا عليه السَّلامُ كان على الصَّوابِ، وإنَّ مَن حاربه فهو ضالٌّ، وتبرَّؤُوا ممَّن لم يتُبْ مِن محاربتِه، ولا يتوَلَّون أحدًا ممَّن حاربه إلَّا من صَحَّت عندَهم توبتُه منهم. ومن كان بهذه الصِّفةِ فليس بمعتَزلٍ عنه عليه السَّلامُ، ولا يجوزُ أن يُسَمَّى بهذا الاسمِ.
وقال كثيرٌ مِنَ المعتَزِلةِ: إنَّ أفضَلَ الأمَّةِ بَعْدَ نبيِّها: أميرُ المؤمِنينَ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بتقَدُّمِه لنُظَرائِه في خِصالِ الفَضْلِ في الدِّينِ.
قال قاضي القُضاةِ عَبدُ الجَبَّارِ بنُ أحمدَ في شَرحِ الأُصولِ الخَمسةِ: وهذا القَولُ هو الذي يقولُ به أكثَرُ شُيوخِنا البَغْداديِّينَ وبَعضُ البَصريِّينَ، وهو الذي نصَرَه الشَّيخُ أبو عبدِ اللهِ رحمه اللهُ. والمشهورُ في كُتُبِ أبي عليٍّ وأبي هاشمٍ: الوقوفُ في ذلك))
[519] ينظر: ((الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 204). .
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((شمس العلوم في اللُّغة))، وكتاب: ((شفاء كلام العَرَب من الكلوم في اللُّغة))، وكتاب: ((خلاصة السِّيرة الجامِعة لعجائب أخبارِ المُلوك المتتابِعة))، وكتاب: ((القصيدة الحِمْيَرية))، وكتاب: ((القوافي))، وكتاب: ((الحُور العين)).
مِن شِعْرِه:
الأمرُ جِدٌّ وهو غيرُ مُزاحِ
فاعمَلْ لِنَفْسِك صالِحًا يا صاحِ
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ ثلاثٍ وسَبعين وخَمسِ مِائة [520] يُنظر: ((معجم الأدباء)) لياقوت (6/ 2745)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (3/ 342) ((بغية الوعاة)) للسيوطي (2/ 312)، ((الأعلام)) للزركلي (8/ 20). .

انظر أيضا: