موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: حُسْنُ السَّجْعِ وقُبْحُه


يُشتَرَطُ في السَّجْعِ أمورٌ يتَعَلَّقُ بها حُسْنُ الكَلامِ وقَبولُ السَّجْعِ؛ منها:
- أن يكونَ السَّجْعُ بَريئًا مِنَ التَّكَلُّفِ، خاليًا مِنَ التَّعَسُّفِ، محْمولًا على ما يأتي به الطَّبْعُ وتُبْديه الغَريزةُ، ويكونَ اللَّفْظُ فيه تابِعًا للمعنى، بأن يقتَصِرَ مِنَ اللَّفْظِ على ما يُحتاجُ إليه في المعنى دونَ الإتيانِ بزيادةٍ أو نَقْصٍ تدعو إليه ضرورةُ السَّجْعِ، حتَّى لو حصَلَت زيادةٌ أو نَقْصٌ بسَبَبِ السَّجْعِ دونَ المعنى، خرج السَّجْعُ عن حَيِّز المدْحِ إلى حَيِّزِ الذَّمِّ.
- أن تكونَ كُلُّ فِقرةٍ مِن فِقراتِ السَّجْعِ دالَّةً على معنًى خِلافِ ما تدُلُّ عليه الأُخرى، فلو كان المعنى في الفِقرَتَينِ واحِدًا لكان ذلك مِنَ التَّطويلِ المذمومِ، كما فَعَل أحَدُهم في وَصْفِ مُدَبِّرٍ: "يسافِرُ رأيُه وهو دانٍ لم يَنزَحْ، ويسيرُ تدبيرُه وهو ثاوٍ لم يَبْرَحْ"، بخِلافِ قَولِ غَيرِه: يُسافِرُ رأيُه وهو دانٍ لم يَبرَحْ، ويُثخِنُ الجِراحَ في عَدُوِّه وسَيفُه في الغِمْدِ لم يَجْرَحْ.
- إذا كانت السَّجَعاتُ طَويلةَ الفِقراتِ، فإنَّه يُستحسَنُ أن يكونَ داخِلَ الفِقْرةِ الواحِدةِ سَجَعاتٌ داخِليَّةٌ، كقَولِه تعالى: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس: 88] ؛ ففي الآيةِ سَجعٌ داخِليٌّ بَيْنَ "أموالِهم" و"قُلوبِهم".
- قِصَرُ فِقراتِ الفواصِلِ وعَدَمُ إطالتِها قَدْرَ الإمكانِ، فإذا أطال السَّاجِعُ الفِقرةَ الأُولى لزِمَه أن يأتيَ بالفِقْرةِ الثَّانيةِ أطوَلَ، فيؤَدِّي ذلك إلى تناسي السَّجْعِ وتطويلِ الكَلامِ، كما وقع في ذلك بَعْضُ الكُتَّابِ حينَ كَتَب: "إذا كان للمَحزونِ في لقاءِ مِثْلِه كَبيرُ الرَّاحةِ في العاجِلِ، وكان طويلَ الحُزنِ راتبًا إذا رجَعَ إلى الحقائِقِ وغيرَ زائِل.
- ألَّا يكونَ مُرادُ الكاتِبِ إلى مجَرَّدِ السَّجْعِ دونَ رعايةِ المعنى، فتأتي الألفاظُ غَثَّةً بارِدةً، بل الأصلُ أن يكونَ الكَلامُ سامِقًا بسُموقِ المعنى [123] يُنظر: ((المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر)) لابن الأثير (1/ 197)، ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) للقلقشندي (2/ 314). .

انظر أيضا: