موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الأوَّلُ: القيمةُ البَيانيَّةُ للحَرفِ الواحِدِ


لاحَظَ العُلَماءُ أنَّ حُروفَ العَربيَّةِ مُناسِبةٌ لمَعانيها، وأنَّ ثَمَّةَ قيمةً تَعبيريَّةً للحَرفِ العَرَبيِّ، ولم يَعْنِهم من كُلِّ حَرفٍ أنَّه صَوتٌ، وإنَّما عناهم من صَوتِ هذا الحَرفِ أنَّه مُعَبَّرٌ عن غَرَضٍ، وأنَّ الكَلمةَ العَرَبيَّةَ مُرَكَّبةٌ من هذه المادَّةِ الصَّوتيَّةِ التي يُمكِنُ حَلُّ أجزائِها إلى مَجموعةٍ منَ الأحرُفِ المُعَبِّرةِ ذاتِ الدَّلالةِ، فكُلُّ حَرفٍ منها يَستَقِلُّ ببَيانِ مَعنًى خاصٍّ ما دامَ يَستَقِلُّ بإحداثِ صَوتٍ مُعَيَّنٍ، وكُلُّ حَرفٍ له جَرْسٌ وإيقاعٌ، وهذه الصِّفةُ الموسيقيَّةُ امتازَت بها اللُّغةُ العَربيَّةُ، وذَهبَ كثيرٌ منَ الباحِثينَ إلى أنَّ لُغَتنا موسيقيَّةٌ، وأنَّها اكتَسَبَت هذه الصِّفةَ مُنذُ أقدَمِ عُهودِها، كما هو واضِحٌ في نُصوصِها القَديمةِ، والعَرَبيُّ -كما هو مَعروفٌ- يَعتَمِدُ على سمعِه في الحُكَمِ على النَّصِّ اللُّغَويِّ؛ لذا فهو مُرهَفُ الحِسِّ، يَستَريحُ إلى ضَربٍ منَ الكَلامِ لحُسنِ وقْعِه، ويَنفِرُ من آخَرَ لنُبوِّ [136] أي: جَفاءِ جَرْسِه، ونبا فُلانٌ عَن فُلانٍ نَبْوةً: إِذا فَارقَه. يُنظر: ((العين)) للخليل (8/ 379)، ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 382). جَرْسِه.
ونَرى هذه السِّمةَ واضِحةً كُلَّ الوُضوحِ في القُرآنِ الكَريمِ، ودَفَعَ هذا المُشرِكينَ إلى نَعْتِه بالسِّحرِ؛ فقد أرادَ الوليدُ بنُ المُغيرةِ أن يَصُدَّ النَّاسَ عنه بَنَعْتِه بالسِّحرِ [137] يُنظر: ((الرسالة الشافية)) للجرجاني (ص: 122). ، ولَكِنَّه رَجَعَ فقالَ بَعدَ أن سمِعَ الرُّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتْلو سورةَ حم [فُصِّلَت: 1] فقال بَعدَها: (إنَّ له لحَلاوةً، وإنَّ عليه لطَلاوةً، وإنَّ أسفَلَه لَمُغدِقٌ، وإنَّ أعلاه لَمُثْمِرٌ) [138] أخرجه عبد الرزاق في ((التفسير)) (3/362)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/198)، ويُنظر: ((دلائل الإعجاز)) للجرجاني (1/585). ، ونَفى أن يَكونَ من كلامِ البَشَرِ [139] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي الصالح (ص: 141، 142). .

انظر أيضا: