موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: فَضْلُ عِلمِ النَّحوِ وتعَلُّمِه


أنزل اللهُ عزَّ وجَلَّ القُرآنَ الكريمَ؛ تلك المُعجِزةَ الخالِدةَ، فجَعَلَها باللُّغةِ العَرَبيَّةِ؛ قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2] ، وقال تعالى: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 195] ، فاقتضى ذلك أن تكونَ اللُّغةُ العَرَبيَّةُ أداتَه الموصِلَةَ إلى فَهْمِه وتدَبُّرِه وتَعَقُّلِه.
ولهذا كان السَّلَفُ يأمُرونَ بتعَلُّمِ العَرَبيَّةِ، وجعَلوا تعَلُّمَها من الدِّينِ، وقدْ كتب عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إلى أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما فقال: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْرِبُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَتَمَعْدَدُوا؛ فَإِنَّكُمْ مَعَدِّيُّونَ» أخرجه ابن أبي شيبة (30534). .
وقال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ» أخرجه ابن أبي شيبة (30535). .
وكان ابنُ عُمَرَ وابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يَضرِبان أولادَهما على اللَّحْنِ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1558)، والخطيب في الجامع (1082). .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: «إعرابُ القُرآنِ أصلٌ في الشَّريعةِ؛ لأنَّ بذلك تقومُ معانيه التي هي الشَّرعُ» ((تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (1/ 40). .
وقال عامرٌ الشَّعبيُّ: «النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ» يُنظَر: ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (2/ 28). .
ولهذا كان المُحَدِّثون والقُرَّاءُ يَبْدؤون بالنَّحوِ والعَرَبيَّةِ قَبلَ القُرآنِ والحديثِ؛ قال وكيعُ بنُ الجَرَّاحِ: «أَتَيْتُ الْأَعْمَشَ أَسْمَعُ مِنْهُ الْحَدِيثَ، وَكُنْتُ رُبَّمَا لَحَنْتُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سُفْيَانَ، تَرَكْتَ مَا هُوَ أَوْلَى بِكَ مِنَ الْحَدِيثِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَوْلَى مِنَ الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: النَّحْوُ. فَأَمْلَى عَلَيَّ الْأَعْمَشُ النَّحْوَ، ثُمَّ أَمْلَى عَلَيَّ الْحَدِيثَ» يُنظَر: ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (2/ 26). .
وجَلَس سِيبويهِ يَطلُبُ الحديثَ عندَ حَمَّادِ بنِ سَلَمةَ، فلحَن في حديثٍ، فقال حمَّادٌ: لحنتَ يا سِيبويهِ! فقال سِيبويهِ: لا جَرَمَ لأطلُبَنَّ عِلْمًا لا تُلَحِّنُني فيه أبدًا، فلَزِمَ الخليلَ بنَ أحمدَ، فبَرَع في النَّحوِ يُنظَر: ((أخبار النحويين البصريين)) للسيرافي (ص: 35)، ((تاريخ العلماء النحويين)) للتنوخي (ص: 93). .
وكان شُعبةُ بنُ الحَجَّاجِ يَنهى عن الابتداءِ بالرِّوايةِ قبل النَّحوِ، فيقولُ: «مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ فَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ، فَمَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ وَلَيْسَ لَهُ رَأْسٌ» يُنظَر: ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (2/ 26). .
قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ: «معلومٌ أنَّ تعلُّمَ العَرَبيَّةِ وتعليمَ العَرَبيَّةِ فَرْضٌ على الكِفايةِ، وكان السَّلَفُ يُؤَدِّبُون أولادَهم على اللَّحْنِ؛ فنحن مأمورونَ أمْرَ إيجابٍ -أو أمرَ استِحبابٍ- أن نحفَظَ القانونَ العَرَبيَّ، ونُصلِحَ الألسُنَ المائلةَ عنه، فيَحفَظَ لنا طريقةَ فَهمِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، والاقتِداء بالعَرَبِ في خِطَابِها؛ فلو تُرِكَ النَّاسُ على لَحْنِهِم كان نَقْصًا وعَيبًا» يُنظَر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (32/ 252). .

انظر أيضا: