موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: الإضْمارُ في مَقامِ الإظْهارِ


وهو أنْ يأتيَ المُتكلِّمُ بالضَّميرِ في المَحلِّ الَّذي يَليقُ به الاسمُ الظَّاهِرُ. ويأتي ذلك في مَوضِعَين:
1- ضَميرُ الشَّأنِ أوِ القِصَّةِ، وهُو ضَميرُ الغائِبِ الَّذي يَقعُ قبلَ الجُملةِ، ويُسمَّى ضَميرَ الشَّأنِ إذا كان مُذكَّرًا، أو ضَميرَ القصَّةِ إذا كان مُؤنَّثًا، ويَعودانِ إلى ما في الذِّهنِ مِنَ الشَأنِ أوِ القصَّةِ، وهُو مَضْمونُ الجُملةِ بعدَه، ولا يَحْتاجانِ إلى ضَميرٍ يَعودُ عليهما مِنَ الجُملةِ بعدَهما، ولا يُفسَّرانِ إلَّا بالجُملةِ الَّتي بعدَهما.
فمنه قولُه تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90] ، أيْ: إنَّ الشَّأنَ العَظيمَ الَّذي يَعلَمُه أولو الألْبابِ أنَّ مَنْ يَتَّقِ ويَصبرْ لا يُضِعِ اللهُ أجرَه.
وقولُه تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] ، أيْ: قلْ: إنَّ الشَّأنَ العَظيمَ الَّذي يَنْبغي أنْ يَفْهمَه كلُّ واحِدٍ ويُؤمِنَ به: اللهُ أحَدٌ.
وقولُه تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] ، أيْ: إنَّ القصَّةَ والحِكمةَ الَّتي يَنْبغي أنْ يَعلَمُها الإنْسانُ أنَّ العَمى عَمى القُلوبِ لا عَمى الأبْصارِ.
وسِرُّ هذا الأسْلوبِ: المُبالَغةُ وتَعْظيمُ تلك القصَّةِ وتَفْخيمُها؛ مِن قِبَل أنَّ الشَّيءَ إذا كان مُبْهمًا كانتِ النُّفوسُ مُتَشوِّقةً إلى فَهْمِه، مُتطلِّعةً إلى علْمِه، فإذا وضَح وفُسِّر حلَّ مَحلًّا رَفيعَ القدْرِ لديها، ومِن ثَمَّةَ لا يكونُ إلَّا في المَواضِعِ الَّتي يُقصَدُ فيها التَّهويلُ.
2- بابُ (نِعْمَ) و(بِئْسَ): إذا انْتَصب ما بعدَها على التَّمييزِ على جِهةِ التَّفْسيرِ؛ تقولُ: نِعْمَ رجُلًا زيدٌ؛ فالفاعِلُ لـ"نِعْم" هنا ضَميرٌ مُسْتتِرٌ تَقْديرُه "هو"، وكان الأصْلُ أنْ يأتيَ الفاعِلُ ظاهِرًا: نِعْمَ الرَّجُلُ زيدٌ؛ فإنَّ الفاعِلَ هنا "الرَّجُلُ".
والغَرَضُ مِنَ الضَّميرِ المُسْتتِرِ في هذا البابِ الإبْهامُ به أوَّلًا للتَّشويقِ واسْتِثارَةِ النَّفْسِ، ثمَّ يأتي التَّمْييزُ فيُزيلُ بعضَ الإبْهامِ، ويَزيدُ تَشْويقًا لمَعْرفةِ المَخْصوصِ بالمدْحِ أوِ الذَّمِّ [245] ينظر: ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 143)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (1/ 507). .

انظر أيضا: