موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الرَّابعُ: الوَقْفُ بهاءِ السَّكتِ


تُجتلَبُ هاءُ السَّكْتِ للتَّوصُّلِ إلى بَقاءِ الحَرَكةِ على الحرْفِ المَوقوفِ عليه، وسُمِّيتْ "هاءَ السَّكْتِ"؛ لأنَّها يُسكَتُ عليها دُونَ آخِرِ الكَلِمةِ، ولَها ثَلاثةُ مَواضِعَ:
المَوضِعُ الأوَّلُ: الفِعلُ المُعتَلُّ بحذْفِ آخِرِه:
يُوقَفُ بهاءِ السَّكْتِ جَوازًا على الفِعلِ المُعتَلِّ بحذْفِ آخِرِه، سواءٌ كان الحَذْفُ لأجْلِ الجزْمِ: لم يَغْزُهْ، ولم يَرْمِهْ، ولم يَخْشَهْ؛ أو كان الحَذْفُ للبِناءِ في الأمْرِ: اغْزُهْ، وارمِهْ، واخشَهْ، ويَجوزُ أنْ تَقفَ بغيرِ هاءِ السَّكْتِ، تقولُ: لم يَغْزُ، اغْزُ، والأكْثرُ في كَلامِ العَرَبِ الوُقوفُ بهاءِ السَّكْتِ [1957] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 159). .
ويُوقَفُ بهاءِ السَّكْتِ وُجوبًا إذا كان الفِعلُ المَحْذوفُ اللَّامِ قد أصبَح على حَرْفٍ واحِدٍ بعدَ أنْ حُذِفتْ فاؤُه، مِثْلُ: لا تَقِ زيدًا، وقِ عَمْرًا، أو حُذِفَتْ عينُه، مِثْلُ: لم ترَ زيدًا، ورَ عَمْرًا، فيَجبُ في حالِ الوَقْفِ إلْحاقُ هاءِ السَّكْتِ؛ تقولُ: لا تَقِهْ وقِهْ، لم ترَهْ ورَهْ [1958] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 159، 160)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 819، 820)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 324). .
المَوضِعُ الثَّاني: (ما) الاسْتِفهاميَّةُ المَجْرورةُ:
يُوقَفُ بهاءِ السَّكْتِ جوازًا على (ما) الاسْتِفهاميَّةِ المَجْرورةِ بالحرْفِ، مِثْلُ: عمَّ، وفيمَ، فتقولُ في الوَقْف: لِمَهْ؟ وعمَّهْ؟ ويَجوزُ أنْ تقولَ: لِمْ؟ وعَمّ؟ [1959] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 164). ، ويَترجَّحُ الوَقْفُ بهاءِ السَّكْتِ مع المَجْرورةِ بالحرْفِ على الوَقْفِ بغيرِها.
ويُوقَفُ بهاءِ السَّكْتِ وُجوبًا [1960] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 164). إذا كانتْ (ما) الاسْتِفهاميَّةُ مَجْرورةً باسمٍ، مِثْلُ: مجيءَ مَ جئتَ؟ [1961] سؤالٌ عن صِفةِ المجيءِ، أي: على أيِّ صِفةٍ جِئْتَ. واقتضاءَ مَ اقتضى؟ تقولُ في الوَقْف: مَجيءَ مَهْ، واقتضاءَ مَهْ [1962] يُنظر: ((المقاصد الشافية)) للشاطبي (8/ 96). .
المَوضِع الثَّالِثُ: في الوَقْفِ على كلِّ مَبنيٍّ على حَرَكةِ بِناءٍ لازمٍ ولم يُشْبِهِ المُعرَبَ:
وهذه شُروطٌ ثَلاثةٌ لإلْحاقِ هاءِ السَّكْتِ:
1- أنْ يكونَ مَبنيًّا؛ فلا تَدخُلُ المُعرَبَ بالحَركاتِ؛ فلا يُوقَفُ بهاءِ السَّكْتِ في مِثْلِ: جاء زيدٌ، لأنَّه مُعرَبٌ بالحَركاتِ، وتَدخُلُ هاءُ السَّكْتِ في المُثنَّى والمَجْموع؛ لأنَّ إعرابَهما بالحُروفِ، وحَرَكةُ النُّونِ ليستْ بحَرَكةٍ إعْرابيَّةٍ؛ فتقولُ في الوَقْفِ على: مُسلمانِ ومُسلمونَ: مُسلِمانَهْ، ومُسلِمونَهْ.
2- أنْ يكونَ البِناءُ بناءً لازِمًا دائمًا لا عارِضًا، وحَرَكةُ البِناءِ العارِضةُ تكونُ في: اسمِ لا النَّافِيةِ للجِنْسِ: لا رجُلَ، والمُنادى المَبنيِّ على الضمِّ: يا زيدُ، ويا رَجُلُ، وما بُنيَ مِنَ الظُّروفِ لقَطْعِه عنِ الإضافةِ، مِثْلُ: مِن قبلُ ومِن بعدُ، والعدَدِ المُركَّبِ: ثلاثةَ عَشَرَ، كلُّ هذه بناؤُها عارِضٌ غيرُ لازِمٍ، فأشْبهتِ الحركاتِ الإعرابيَّةَ [1963] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 326). ، وشذَّ قَولُ أبي ثَرْوانَ مِنَ الرَّجَز:
يا رُبَّ يومٍ لي لا أُظلَّلُه
أُرْمَضُ من تحتُ وأُضْحَى مِن عَلُهْ
والشَّاهدُ هنا: أنَّ هاءَ السَّكْتِ لحِقَتْ (عَلُ) شُذوذًا؛ لأنَّ حَرَكتَه عارِضةٌ لقطْعِه عنِ الإضافةِ، مِثْلُ: قبلُ وبعدُ [1964] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 327، 328). .
3- ألَّا يُشبِهَ المُعرَبَ، فلا تَلحَقُ هاءُ السَّكْتِ الفِعلَ الماضي؛ لأنَّه يُشبِهُ المُضارِعَ في وُقوعِه صفةً، مِثْلُ: مررتُ برجُلٍ ضَرَبَ، وصِلةً، مِثْلُ: جاء الَّذي ضَرَبَ، وخبرًا، مِثْلُ: زيدٌ ضَرَبَ، وحالًا، مِثْلُ: جاء زيدٌ وقد ضَرَبَ، وشرطًا، مِثْلُ: إنْ ضَرَب زيدٌ ضَرَبْتُ.
وفي الفِعلِ الماضي مَذاهِبُ: فسِيبَوَيهِ [1965] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 16). والجُمْهورُ وابنُ مالِكٍ [1966] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 327). : يَمنعون إلْحاقَ هاءِ السَّكْتِ الفِعلَ الماضِيَ مُطْلَقًا، والثَّاني: الجَوازُ مُطْلَقًا، والثَّالِثُ: إنْ ألبَس إلْحاقُها بالماضي لم يَجُزْ، مِثْلُ: ضرَبَهْ، فهنا يَلتبِسُ بالمَفْعولِ، فإنْ لم يَقعِ اللَّبسُ جاز: قعدَهْ؛ لأنَّ قعَد فِعلٌ لازِمٌ [1967] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 822). .
فإذا استُوفِيتْ تلك القُيودُ جاز إلْحاقُ هاءِ السَّكْتِ، فيُقالُ في الوَقْفِ على هُوَ: هُوَهْ، وفي هِيَ: هيَهْ، ومنه قولُه تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ [القارِعة: 8] ، وفي (أنا) تقولُ: أنَهْ، وفي كيفَ وثُمَّ: كيفَهْ، وثُمَّهْ.
وفي ياءِ المُتكلِّمِ المُتَحرِّكةِ، مِثْلُ: غُلاميَ وكِتابيَ: غُلاميَهْ، وكِتابيَهْ؛ قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقَّة: 19] .
وفي كافِ الخِطابِ؛ تقولُ: أكرمْتُكَ، وأكرمْتُكَهْ [1968] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 632 – 638). .
فوائِدُ:
- ياءُ المُتكلِّمِ المُتَحرِّكةُ، مِثْلُ: غُلاميَ، يَجوزُ إلْحاقُ هاءِ السَّكْتِ، ويَجوزُ الوَقْفُ بغيرِ الهاءِ، فتقولُ في الوَقْفِ: قام غُلامي، بغيرِ الهاءِ، وقام غلامِيَهْ، بإلْحاقِ الهاءِ، فإنْ كانتْ ياءُ المُتكلِّمِ ساكِنةً، فتَبقَى في الوَقْفِ على سُكونِها، فإنْ كانت ياءُ المُتكلِّمِ مَحْذوفةً، فإنَّها تَبقى مَحْذوفةً كما كانت في الوصْلِ، ويُوقَفُ عليها بإسْكانِ ما قبلَها، تقولُ في: يا قومِ اذهبوا: يا قَومْ، بسُكونِ المِيمِ، والإبْقاءِ على ياءِ المُتكلِّمِ مَحْذوفةً [1969] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 310). .
- يَجري الوصْلُ مَجْرى الوَقْفِ، وهُو قَليلٌ في الاختيارِ، كَثيرٌ في الشِّعرِ:
ومنه في الاخْتيارِ: قِراءةُ مَن قرأ: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] بإثْباتِ هاءِ السَّكْتِ في الوصْلِ.
ومنه في ضَرورةِ الشِّعرِ قولُه مِنَ الرَّجَز:
في عامِنا ذا بعدَما أخْصَبَّا
والأصْلُ: أخصَبَ، فضعَّف الباءَ كما لو وَقَفَ عليها [1970] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 328 – 331)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 637، 638). .
- إلْحاقُ هاءِ السَّكْتِ في أسْلوبِ النُّدبةِ واجِبٌ، تقولُ: وا زَيْدَاهْ، ولا يَجوزُ أنْ تَقفَ بالألِفِ وحدَها، ولا يَجوزُ إبْدالُها هَمْزةً [1971] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 164)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 802)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 306). .

انظر أيضا: