المَبْحَثُ الثَّاني: الوَقْفُ على السَّاكِنِ
الوَقْفُ على المُنوَّنِ:فإنْ كان غيرَ مُؤَنَّثٍ بالتَّاءِ:إنْ كان التَّنوينُ تنوينَ رفْعٍ أو جرٍّ، فيكونُ حُكمُه الحَذْفَ، وتَقفُ على الحرْفِ بالسُّكونِ: هذا زيدْ، ومررْتُ بزيدْ، أمَّا تنوينُ النَّصبِ، فإنَّه يُبدَلُ في الوَقْفِ ألِفًا؛ تقولُ: رأيتُ زيدَا.
ويَجوزُ في النَّصبِ الحَذْفُ، فتقولُ: زيد، ومنه قولُ الشَّاعرِ مِنَ الطَّويل:
ألا حَبَّذا غُنْمٌ وحُسْنُ حَدِيْثِها
لقد ترَكَتْ قَلْبي بِها هائِمًا دَنِفْ
والشَّاهِدُ هُنا: (دَنِفْ) وقَف بالسُّكونِ في تَنوينِ النَّصبِ، وعندَ الجُمْهورِ أنَّ هذا ممَّا جاء في الشِّعرِ ولا يَجوزُ في سَعَةِ الكَلامِ
.
فإنْ كان تَنوينُ النَّصبِ على مُؤَنَّثٍ بالهاءِ:فحينَ الوَقْفِ تَقفُ بالهاءِ، ولا تُبدِلُ مِنَ التَّنوينِ شيئًا؛ تَقولُ: قائِمَهْ، فإنْ كان الوَقْفُ على ما يكونُ بالتَّاءِ، مِثْلُ: بِنتًا وأختًا، تقولُ في الوَقْفِ: بِنْتَا وأُخْتَا، فإنَّك تَقفُ بإبْدالِ التَّنوينِ ألِفًا.
وفي تَنوينِ الرَّفعِ والجرِّ يُحذَفُ التَّنوينُ، وتَقفُ على الكَلِمةِ بالهاءِ
.
الوَقْفُ على نُونِ التَّوكيدِ الخَفيفةِ ونُونِ (إِذَنْ)نُونُ التَّوكيدِ الخَفيفةُ بعدَ فَتْحةٍ يُوقَفُ عليها بالألِفِ بلا خِلافٍ، كقَولِ اللهِ تعالى:
لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ [العَلَق: 15] ، أمَّا بعدَ الكسْرةِ والضَّمَّةِ، فإنَّ النُّونَ الخَفيفةَ تُحذَفُ في الوَقْفِ ويُعادُ للفِعلِ المَوقُوفِ عليه بحذْفِها ما أُزيلَ في الوصْلِ بسَببِها، مِثْلُ: اضرِبِنْ يا هِندُ، إذا وقفتَ قلتَ: اضرِبي، بإعادَةِ ياءِ المُخاطَبةِ، واضرِبُنْ يا رِجالُ، إذا وقفتَ قلتَ: اضْرِبوا، بإعادَةِ واوِ الجماعةِ.
في الوَقْفِ على (إِذَنْ)
مَذاهِبُ؛ فالجُمْهورُ يُبدِلُ نُونَها ألِفًا في الوَقْفِ مُطْلَقًا، تَشْبيهًا لَها بالمنوَّنِ المَنْصوبِ، وبعضُهم يَقفُ عليها بالنُّونِ مُطْلَقًا تَشْبيهًا لَها بأنْ ولنْ، وبعضُهم يَقفُ عليها بالألِفِ إنْ أُلغِيَتْ، وبالنُّونِ إنْ أُعْمِلَتْ
.
الوَقْفُ على الاسمِ المَقْصورِ:الاسمُ المَقْصورُ في حالِ الوَقْفِ عليه أجْمَعَ العَربُ على الوُقوفِ عليه بالألِفِ، ثُمَّ اختلَفوا في الألِفِ:
فرأى
سِيبَوَيهِ والجُمْهورُ أنَّ الألِفَ -حالَ الوَقْفِ- في تَنْوينِ النَّصبِ بدَلٌ مِنَ التَّنوينِ، وفي تَنوينِ الرَّفعِ والجرِّ بدَلٌ مِن لامِ الفِعلِ، فيكونُ وَزْنُ (فتًى) في الوَقْفِ عندَ
سِيبَوَيهِ (فَعًا) في حالةِ النَّصبِ، و(فَعَل) في حالَتَي الرَّفعِ والجرِّ
.
ورأى المازِنيُّ والأخْفشُ أنَّ الألِفَ بدَلٌ مِنَ التَّنوينِ في الأحْوالِ الثَّلاثةِ، فيكونُ وَزْنُ فتًى في حالةِ الوَقْفِ (فَعًا) عندَ المازِنيِّ والأخْفشِ، رفعًا ونصْبًا وجرًّا.
ورأى
الكِسائيُّ و
أبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ
: أنَّ الألِفَ هي الألفُ المُنقلِبةُ في الأحْوالِ الثَّلاثةِ، فيكونُ وَزْنُ (فتًى) عند
أبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ و
الكِسائيِّ (فَعَل) رفعًا ونصْبًا وجرًّا
.
الوَقْفُ على هاءِ الضَّميرِ:إنْ كانتِ الهاءُ مَضْمومةً أو مَكْسورةً، حُذِفتِ المدَّةُ (الواو والياء)، مِثْلُ: رأيتُهْ، ومررتُ بِهْ، إلَّا في الضَّرورةِ؛ كقولِ رُؤبةَ مِنَ الرَّجَز:
ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أرجاؤُهُ
كأنَّ لونَ أرضِه سماؤُهُ
بإثْباتِ الواوِ فيهما لفْظًا لا خطًّا.
وقولِه مِنَ الطَّويل:
تَجاوَزتُ هِندًا رغْبةً عنْ قِتالِهِ
إلى مَلِكٍ أعْشو إلى ضَوءِ نارِهِ
بإثْباتِ الياءِ فيهما لفْظًا لا خطًّا
.
فإنْ كانتِ الهاءُ مَفْتوحةً ثَبتتِ المدَّةُ (الألِفُ) وجاء حذْفُها على قلَّةٍ؛ فقد رُوِي عن بعضِ طيِّئٍ أنَّه قال: (بالفَضْلِ ذو فضَّلَكم اللهُ بِهِ، وبالكرامةِ ذاتِ أكرَمَكُم اللهُ بَهْ)، أيْ: بِهَا، حذَفَ الألِفَ ونقَل الفَتْحةَ مِنَ الهاءِ إلى الباءِ، و
ابنُ مالِكٍ يَجعلُه جائِزًا في سَعَةِ الكَلامِ، والصَّحيحُ أنْ يُوقَفَ عندَ ما ورَد بِه السَّماعُ
.
الوَقْفُ على الاسمِ المَنْقوصِ1- يَجبُ إثْباتُ ياءِ المَنْقوصِ في الوَقْفِ في ثلاثِ مَسائِلَ:أ- أنْ يكونَ مَحْذوفَ الفاءِ، مِثْلُ: يَفي؛ مُضارِعِ وفى، مُسمًّى بِه، تقولُ: هذا يَفِي.
ب- أنْ يكونَ مَحْذوفَ العَينِ: فإذا سمَّيتَ باسمِ الفاعِل مِن (رأى)، تقولُ: هذا مُرِي، بإثْباتِ الياءِ بلا خِلافٍ؛ لأنَّك لو حذَفت اللَّامَ لكان في ذلك إجْحافٌ باللَّفْظِ.
ج- أنْ يكونَ المَنقوصُ مَنْصوبًا مُنوَّنًا، مِثْلُ:
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا [آل عِمران: 193] ، أو غيرَ مُنوَّنٍ:
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [القيامة: 26] .
2- فإنْ كان المَنْقوصُ مَرْفوعًا أو مَجْرورًا جاز إثْباتُ الياءِ وجاز حذْفُها، لكنْ:يَرجَحُ حذْفُ الياءِ على إثْباتِها في المُنوَّنِ، تقولُ: هذا قاضٍ ومررتُ بقاضٍ، ويَجوزُ: هذا قاضي ومررتُ بقاضي، وحذفُ الياءِ أكْثرُ وأجْوَدُ.
يَرجَحُ إثْباتُ الياءِ في غيرِ المُنوَّنِ (سقَط تنوينُه لدُخولِ أل)، مِثْلُ: هذا القاضي ومررتُ بالقاضي، ويَجوزُ: هذا القاضْ، ومررتُ بالقاضْ، وبِذا وقَف الجُمْهورُ في قولِه تعالى:
الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الفاتِحة: 9]، وقولِه:
لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ [غافِر: 15] .
3- والمَنْقوصُ غيرُ المُنوَّنِ له ثَلاثةُ أنْواعٍ أخرى غير المَقْرونِ بأل:ما سقَط تَنْوينُه للنِّداءِ، مِثْلُ: يا قاضي، فالخَليلُ يَختارُ إثْباتَ الياءِ، ويُونُسُ يَختارُ حذْفَها
.
الثَّالِثُ: ما سقَط تَنْوينُه للمنْعِ مِنَ الصَّرْفِ، مِثْلُ: رأيتُ جواريَ، فيُوقَفُ عليه بإثْباتِ الياءِ.
ما سقَط تَنْوينُه للإضافةِ، مِثْلُ: قاضي مَكَّةَ، ويَجوزُ فيه الوَقْفُ بإثْباتِ الياءِ وحذْفِها
.