المَطْلَبُ الأوَّلُ: الحَذْفُ القِياسيُّ
المَسألةُ الأُوْلى:إذا كان الفِعلُ ثُلاثيًّا واويَّ الفاءِ مَفْتوحَ العَينِ في الماضِي مَكْسورَها في المُضارِعِ، مِثْلُ: وعَد يَعِدُ، فإنَّ الفاءَ (الواو) تُحذَفُ مِن أمْثلَةِ المُضارِعِ الأرْبعةِ (أعِدُ، ونَعِدُ، وتَعِدُ، ويَعِدُ)، ومِن فِعلِ الأمْرِ، ومِن مَصْدَرِه الَّذي على وَزْنِ (فِعْلَة)؛ تقولُ: وعَد يَعِدُ، عِدْ، عِدَة.
وأصْلُ الفِعلِ: (يَوْعِد)، وسَببُ حذْفِ الواوِ اسْتثقالُ وُقوعِها ساكِنةً بينَ ياءٍ وكسْرةٍ لازِمةٍ، ثُمَّ حُمِلت سائِرُ أمْثلَةِ المُضارِعِ الأخْرى عليه فقالوا: (أعِدُ، ونَعِدُ، وتَعِدُ)
، ولِلحذْفِ ثَلاثةُ شُروطٍ:
1- أنْ تَقعَ الواوُ بينَ ياءٍ وكسْرةٍ.
2- أنْ تكونَ العَينُ مَفْتوحةً في الماضي مَكْسورةً في المُضارِعِ، فلو كانتْ مَفْتوحةً في المُضارِعِ (يَفْعَل)، مِثْلُ: يَوْلَد، ويَوْجَل، أو مَضْمومةً (يَفْعُل)، مِثْلُ: يَوضُؤ، فلا تُحذَفُ، وشذَّ الحَذْفُ في قولِ
جَريرٍ مِنَ الكامِل:
لَو شِئْتِ قد نقَعَ الفُؤادُ بِشَربةٍ... تَدَعُ الصَّوادِيَ لا يَجُدْنَ غَلِيلَا
فضَمَّ العَينَ وحَذَفَ الواوَ، وهِي لُغةٌ عامِريَّةٌ
.
وقد تكونُ الكسْرةُ مُقدَّرةً في المُضارِعِ لا ظاهِرةً؛ سَواءٌ أكان الماضي منه مَفْتوحَ العَينِ (فَعَلَ)، مِثْلُ: وَضَعَ يَضَعُ، ووَقَعَ يَقَعُ، أو كان مَكْسورَ العَينِ (فَعِلَ)، مِثْلُ: وَسِعَ يَسَعُ، ووَطِئَ يَطَأُ، فالكسْرُ هُنا مُقدَّرٌ؛ أيِ المُضارِعُ مِن هذه الأفْعالِ قِياسُه أنْ يكونَ مَكْسورًا (يَفْعِل/ يَوْضِع ويَوْطِئ)، لكنَّهم فتَحوا لِأجْلِ حرْفِ الحلْقِ، فالكسْرةُ مَوْجودةٌ في الأصْلِ (التَّقديرِ)
.
3- أنْ يكونَ ذلك في فِعلٍ، فإنْ كان في اسمٍ، فلا تُحذَفُ الواوُ، فإذا بَنيتَ مِن (وَعَدَ) مِثالَ: يَقْطِين، قلتُ: يَوْعِيد، فلا تَحذِفُ؛ لأنَّه اسمٌ، والاسمُ خَفيفٌ، والفِعلُ أثْقلُ
.
تَنبيهاتٌ:- شذَّ حذْفُ الواوِ في قولِهم: (يُدَعُ ويُذَرُ) بِالبِناءِ للمَفْعولِ، مِن جِهتينِ: أنَّ الواوَ ليستْ واقِعةً بينَ ياءٍ وكسْرةٍ، وأنَّ العَينَ مَفْتوحةٌ، والشَّرطُ أنْ تكونَ مَكْسورةً، والقِياسُ: يُوذَر ويُودَع، لكنَّهم قالوا: يُذَرُ ويُدَعُ؛ لأنَّ الواوَ في الفِعلينِ في حُكمِ المَعْدومِ، فالفِعلُ (يَدَعُ) لم يُستعمَلْ له ماضٍ (وَدَع) إلَّا فيما قُرِئ شُذوذًا: (مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)
[الضُّحى: 3]
، وما جاء في ضَرورةِ الشِّعرِ: وَدَع ومَودُوع، أمَّا الماضي مِن (يَذَرُ) وهو (وَذَرَ) فلم يُستعمَلْ قطُّ
.
- وشذَّ حذْفُ الواوِ في قولِهم: (يَسَعُ)، مِن جِهَتينِ أيضًا: أنَّ الماضيَ منه مَكْسورُ العَينِ (وَسِعَ)، وأنَّ المُضارِعَ مَفْتوحُ العَينِ (يَسَعُ)، وكان قِياسُ المُضارِع في (وَسِعَ) أنْ يكونَ على (يَفْعَل)، فلمَّا حُذِفتْ منه الواوُ دلَّ على أنَّه ممَّا يأتي مُضارِعُه على (يَفْعِل)، مِثْلُ: ومَق يَمِق
.
وفي المَصْدَرِ الَّذي على وَزْنِ (فِعْلَة) فإنَّ الفاءَ (الواوَ) تُحذَفُ، وتُحرَّكُ العَينُ بحَرَكةِ الفاءِ، وللحذْفِ شرطان:
1- ألَّا تكونَ لِبيانِ الهَيئةِ، مِثْلُ: الوِعْدة والوِقْفة، فلا تُحذَفُ الواوُ، حتَّى لا تَلتبِسَ الهَيئةُ بالمَصْدَرِ.
2- أنْ تكونَ مَصْدَرًا، فلو كانت غيرَ مَصْدَرٍ لم تُحذَفْ منها الواوُ إلَّا ما شذَّ مِن قولِهم:
مِنَ الأسْماءِ: "رِقَة" اسمًا للفِضَّةِ، و"حِشَة" اسمًا للأرْضِ المُوحِشةِ، و"جِهَة"، والقِياسُ: "وِرْقة"، و"وِحْشة"، و"وِجْهة"
.
أمَّا "لِدَة"، ففيه خِلافٌ: ف
سِيبَوَيهِ: جعَله مَصْدَرًا وُصِف به، فترَكوه على الحَذْفِ كما هو
، و
ابنُ مالِكٍ: جعَله صِفةً، فيكونُ شاذًّا
.
وأمَّا وِجْهةٌ ففيه خِلافٌ، ف
المُبَرِّدُ
و
الفارِسيُّ
: ذهَبا إلى أنَّه اسمٌ للمَكانِ المُتوجَّهِ إليه، فلا يكونُ ثَمَّةَ شُذوذٌ في إثْباتِ الواوِ فيه؛ لأنَّه اسمُ مَكانٍ لا مَصْدَرٌ، وذهَب آخَرون إلى أنَّه مَصْدَرٌ، فيَكونُ إثْباتُ الواوِ فيه شاذًّا
، وهو الَّذي يَتَّضحُ مِن كلامِ
سِيبَوَيهِ
، وسوَّغ إثْباتَ الواوِ فيه أنَّه لا يُوجَدُ له مُضارِعٌ مُسْتعمَلٌ، فلم يأتِ: وجَه يَجِه
.
ويَجبُ أنْ تُعوَّضَ الفاءُ المَحْذوفةُ بتاءِ التَّأنِيثِ، مِثْلُ: وعَد يعِدُ عِدَةً، وأصْلُ (عِدَة): وِعْد، حُذِفتِ الواوُ (فاء الكَلِمة) ونُقِلَتْ كَسْرتُها إلى العَينِ (عَينِ الكَلِمةِ)، لِتكونَ الكسْرةُ دليلًا على الفاءِ المَحْذوفةِ، وعوَّضوا مِنَ الفاءِ تاءَ التَّأنِيثِ؛ لِذا لا يَجْتمعانِ؛ لأنَّ العِوَضَ والمُعوَّضُ منه لا يَجْتمعانِ
، وفي ذلك مَذاهِبُ: ف
سِيبَوَيهِ: يَرَى جَوازَ عَدَمِ الإتْيانِ بالتَّاءِ تَعويْضًا عنِ المَحْذوفِ
؛ تقولُ: أقام إقامًا، وابنُ عُصفورٍ: يَرَى الاقْتصارَ على السَّماعِ
، والفَرَّاءُ: رأى أنَّ التَّاءَ تُحذَفُ عندَ الإضافةِ، فالإضافةُ منها كَالعِوَضِ، واسْتدلَّ بِقَولِ الشَّاعِرِ:
إنَّ الخَلِيطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانْجَرَدوا... وأَخْلَفُوك عِدَ الأمْرِ الَّذي وعَدوا
قال الفَرَّاءُ: (يُريدُ: عِدَةَ الأمْرِ فاسْتجازَ إسْقاطَ الْهَاءِ حينَ أضافَها)
.
وخرَّجَ خالِدُ بنُ كُلثومٍ البَيتَ على أنَّ (عِدَى) جَمْعُ عِدْوَة، والعِدوةُ: النَّاحِيةُ، كأنَّه يَقصِدُ: وأخْلفُوكَ نَواحيَ الأمْرِ الَّذي وَعَدوا.
وقال تعالى:
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ [الأنْبياء: 73] ، والأصْلُ: إقامةُ الصَّلاةِ، فحُذِفتِ التَّاءُ لسَدِّ الإضافةِ مَسدَّها، وحَسَّن الحَذْفَ في الآيةِ مُشاكَلةُ قولِه تعالى بعدَها:
وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنْبياء: 73]
.
فإنْ كان المَصْدَرُ على غيرِ (فِعْلَة) فلا تُحذَفُ الواوُ منه، ويَكونُ في الغالِبِ على (فَعْلٍ)، مِثْلُ: وَعَد وَعْدًا، ووَصَل وَصْلًا، وقد يأتي على غيرِ هذينِ البِناءَينِ، مِثْلُ: وَرَدَ وُرُودًا
.
تَنبيهاتٌ:- جاء الإتْمامُ في مَصْدَرِ (فِعْلَة) على الشُّذوذِ؛ إذْ يجْمَعون بينَ الواوِ وتاءِ التَّأنِيثِ، قالوا: وتَرَه وِتْرًا ووِتْرَةً، فقد ذكَر الجَرْميُّ أنَّ مِنَ العَربِ مَنْ يُخرِجُه على الأصْلِ، فيَقولُ: وِعْدَة ووِثْبَة، ووِجْهَة
.
- قد يَفْتَحون عَينَ (فِعْلَة) لِكونِها مَفْتوحةً في المُضارِعِ، مِثْلُ: يَسَعُ سَعَةً، ويَدَعُ دَعَةً، وقد يَفْتَحون المَصْدَرَ مِن (فَعُلَ)، مِثْلُ: وضُعَ ضَعَةً، ووقُحَ قَحَةً.
- قالوا في مَصْدَرِ وصَل: "صِلة"، و"صُلة"، والأوَّلُ حُذِفتِ الواوُ على القِياسِ، أمَّا الثَّاني فهُو على (فُعْلَة)، فكان القِياسُ إثباتَ الواوِ: وُصْلَة، لكنَّهم حذَفوها شُذوذًا إجْراءً له مَجْرى (صِلَة) القِياسيِّ
.
المَسألةُ الثَّانيةُ:تُحذَفُ الهَمْزةُ مِن أمْثلَةِ المُضارِعِ ومِنِ اسْميِ الفاعِلِ والمَفْعولِ إذا كان الفِعلُ على وَزْنِ (أفْعَلَ)، مِثْلُ: أكْرَمَ ومُضارِعُه لِلمُتكلِّمِ: أُكْرِمُ، الأصْلُ فيه: أُأَكْرِمُ، اجْتمَعت فيه الهَمْزتان: هَمْزةُ المُتكلِّمِ وهَمْزةُ أفْعَلَ، فحَذفوا هَمْزةَ (أفْعل)، ثُمَّ حمَلوا سائِرَ أمْثلَةِ المُضارِعِ عليه: (يُكْرِم، وتُكْرِم ونُكْرِم) واسْمَيِ الفاعِلِ والمَفْعولِ: (مُكْرِم ومُكْرَم)، والأصْلُ فيها: (أُأَكْرِم ويُؤَكْرِم، وتُؤَكْرِم ونَؤَكْرِم، ومُؤَكْرِم ومُؤَكْرَم) فحذَفوا الهَمْزةَ في كلِّ ذلك بالحَمْلِ على المُضارِعِ المُتكلِّمِ
.
تَنبيهانِ:1- لا يَجوزُ إثْباتُ هَمْزةِ أفْعلَ على الأصْلِ إلَّا في:
- الضَّرورةِ: كَقولِ أبي حيَّانَ الفَقْعسيِّ مِنَ الرَّجَز:
فإنَّه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَما
فقد جاء الفِعلُ (يُؤَكْرَما) بِالهَمْزةِ على الأصْلِ المَرْفوضِ، والقِياسُ: أنْ يُكرَما
.
- كَلِمةٍ مُسْتنْدَرةٍ: كما في قولِهم: أرضٌ مُؤَرْنَبةٌ، أيْ: كثيرةُ الأرانِبِ، وقولِهم: كِساءٌ مُؤَرْنَبٌ، إذا كان صُوفُه مَخْلوطًا بوَبَرِ الأَرانِبِ، فعلى القَولِ بِزيادَةِ هَمْزةِ أرْنَب (أرْنَب/ أفْعَل) فإنَّ ظُهورَها قد جاء على الأصْلِ المَرْفوضِ
.
2- لو أُبدِلَتِ الهَمْزةُ في "أفْعَلَ" هاءً أو عَينًا لم تُحذَفْ؛ لأنَّ سَببَ الحَذْفِ زال:
مِثالُ إبْدالِ الهَمْزةِ هاءً: أراقَ: قالوا: هَرَاق، يُهْرِيق، فهُو مُهْرِيق، ومُهْراق، فلم تُحذَفِ الهاءُ المُبْدلَة مِن هَمْزة أفْعَلَ.
مِثالُ إبْدالِ الهَمْزةِ عَينًا: أنْهَلَ الإِبِلَ -مِنَ المَنْهلِ وهُو المَشْرَبُ- قالوا: عَنْهَل يُعنْهِل، فهو مُعنْهِل، وإِبِلٌ مُعَنْهَلة
.
المَسألةُ الثَّالِثةُ:إذا كان الفِعلُ ثُلاثيًّا مَكْسورَ العَينِ وعَينُه ولامُه مِن جِنْسٍ واحِدٍ، فإنَّه عِندَ إسْنادِه إلى تاءِ الضَّميرِ ونونِ النِّسوةِ (الضَّمائر المُتَحرِّكة) أو كلُّ فِعلٍ مُضاعَفٍ على وَزْنِ (فعِل)، مِثْلُ: ظلَّ، أصْلُه: ظَلِلَ (فَعِل)، فإنَّه عندَ إسنادِه إلى الضَّمائِرِ المُتَحرِّكة يُستَعمَلُ على ثَلاثةِ أوْجهٍ:
- يُستَعمَلُ تامًّا (الإتْمامُ) بأنُ يُفكَّ الإدْغامُ: ظَلِلْتُ، ظَلِلْنَ.
- يُستعمَلُ مَحْذوفَ العَينِ بعدَ نقْلِ حرَكتِها إلى الفاءِ: ظِلْتُ، وظِلْنَ.
أمَّا كسْرُ الفاءِ هُنا، فَلِأنَّ حَرَكةَ اللَّامِ نُقِلتْ إلى الظَّاءِ قبلَها بعدَ إسْكانِ الظَّاءِ، ثُمَّ حُذِفتِ اللَّامُ، فبَقِيتِ الظَّاءُ (فاءُ الكَلِمةِ) على حالِها مِنَ الكسْرِ.
- يُستَعْمَلُ مَحْذوفَ العَينِ معَ عَدَمِ نقْلِ حَرَكتِها فتَبقى الفاءُ مَفْتوحةً على الأصْلِ: ظَلْتُ، وظَلْنَ
.
أمَّا حذْفُ اللَّامِ في (ظَلْتُ، وظِلْتُ) فثَمَّةَ خِلافٌ في أيِّ اللَّامينِ حُذِفَتْ:
قَولٌ يَقولُ: إنَّ المَحْذوفَ هو اللَّامُ الأُوْلى (عَينُ الكَلِمةِ)؛ لأنَّ اللَّامَ الأُوْلى هي الَّتي تُدغَمُ، وهُو ظاهِرُ كَلامِ
سِيبَوَيهِ
.
وقولٌ يقولُ: الَّذي حُذِف اللَّامُ الثَّانيةُ؛ لأنَّ الثِّقَلَ يَحصُلُ عندَها
.
وقد ذكَر
ابنُ جِنِّي أنَّ كسْرَ الظَّاءِ لُغةُ أهلِ الحِجازِ (ظِلْتُ)، وأنَّ فتْحَها لُغةُ بَني تَمِيمٍ (ظَلْتُ)، وفي التَّصريحِ: (ويَنْبغي العَكْسُ، فإنَّ الفتْحَ جاء في القُرآنِ، والقُرآنُ نزَل بلُغةِ أهلِ الحِجازِ؛ قال تعالى:
فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقِعة: 65] )
.
تَنبيهاتٌ:1- صرَّح
سِيبَوَيهِ أنَّ حذْفَ العينِ في تلك المَسألةِ شاذٌّ وأنَّهُ لم يَرِدْ إلَّا في ثَلاثةِ ألْفاظٍ؛ اثْنينِ مِن الثُّلاثيِّ: ظَلْتُ ومَسْتُ والأصْلُ: ظَلِلْتُ ومَسِسْتُ، وفي لفْظٍ واحِدٍ مِنَ الزَّوائِدِ، وهُو أحَسْتُ، والأصْلُ: أحْسَسْتُ
، وهو قَولُ جُمْهورِ النَّحويِّينَ
.
وقد جعَل
ابنُ مالِكٍ هذا الحَذْفَ مُطَّرِدًا، وذكَر أنَّ الحَذْفَ لُغةُ بَني سُلَيمٍ
، وإلى ذلك ذهَب أبو عليٍّ الشَّلَوبِينُ
، والفَرَّاءُ أيضًا
.
2- اضْطرَبتْ أقْوالُ
ابنِ مالِكٍ في هذه المَسألةِ في أمْرينِ:
اخْتصاصُ المَسألةِ بالفِعلِ الثُّلاثيِّ:فقد ذكَر في التَّسهيلِ المَسألةَ عامَّةً في الفِعلِ الثُّلاثيِّ وغيرِ الثُّلاثيِّ
؛ قال: (ويَجوزُ في لُغةِ سُلَيمٍ حذْفُ عَينِ الماضي المُضاعَفِ المُتَّصلِ بِتاءِ الضَّميرِ أو نونِه)
، وذكَر أنَّه إنْ كانتِ الفاءُ ساكِنةً، فإنَّ نقْلَ الحَرَكةِ فيها واجِبٌ، ولا يَجوزُ ترْكُ النَّقْلِ (الوَجْهُ الثَّالِثُ)، وسُكونُ الفاءِ لا يَكونُ إلَّا فيما زاد عنِ الثُّلاثيِّ، ومَثَّل
ابنُ عَقيلٍ بـ: أحْسَستُ، وأحْبَبْتُ، تقولُ: أحَسْتُ، وأحَبْتُ
.
أمَّا في الكافِيةِ الشَّافيةِ فقد خصَّ المَسألةَ بالفِعلِ الثُّلاثيِّ
، فإنْ كان الفِعلُ زائِدًا عنِ الثَّلاثةِ فلا يَجوزُ إلَّا الإتْمامُ، مِثْلُ: أصْرَرْتُ، وأصْرَرْنَ، ويُحمَلُ قولُهم: أحَسْتُ والأصْلُ: أحْسَسْتُ على الشُّذوذِ
.
اخْتصاصُ المَسألَةِ بمَكْسورِ العَينِ:فقد جعَل في الكافِيةِ الشَّافيةِ المَسألةَ خاصَّةً بمَكْسورِ العَينِ (فَعِلَ)
، وفي التَّسهيلِ ذكَر أنَّ الفِعلَ إنْ كان مَفْتوحَ العَينِ فلا يَجوزُ نقْلُ الحَرَكةِ، إنَّما يَجوزُ فقطِ الحَذْفُ (الوجْهُ الثَّالثُ)، مِثْلُ: هَمَمْتُ وانْحَطَطْتُ: تقولُ: هَمْتُ، وانْحَطْتُ، وذكَر
ابنُ عَقيلٍ أنَّ كَلامَه يُحمَلُ في التَّسهيلِ على أنَّه إنْ كانتْ عَينُ الفِعلِ مَفْتوحةً (فَعَلَ)، لم يكنْ ذلك لُغةً مُطَّرِدةً
.
وطِبقًا لِكونِ المَسألةِ خاصَّةً بمَكْسورِ العَينِ، فإنْ كان الفِعلُ مَفْتوحَ العَينِ لا مَكْسورَها، فلا يَجوزُ إلَّا الإتْمامُ، كقولِه تعالى:
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ... [سبأ: 50] ، أمَّا قولُه تعالى:
فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ [الشُّورى: 33] فهُو مِن ظلَّ يَظَلُّ بِفتْحِ اللَّامِ؛ إذ جاء فيه الفتْحُ والكسْرُ (ظلَّ يظَلُّ ويظِلُّ)
، ويُحكَمُ بشُذوذِ ما ذكَره ابنُ الأنباري: هَمْتُ، والأصْلُ: هَمَمْتُ؛ لأنَّ العَينَ مَفْتوحةٌ
.
الحَذْفُ في المُضارِعِ والأمْرِ المتَّصلَينِ بِنُونِ النِّسوةِ:إنْ كان الفِعلُ المُضاعَفُ مَكْسورَ العَينِ مُضارِعًا أو أمْرًا واتَّصَل بِنُونِ النِّسوةِ، لم يجُزْ فيه إلَّا الوَجْهانِ الأوَّلَان فقطْ، وهُما: الإتْمامُ وحذْفُ العَينِ بعدَ نقْلِ حَرَكتِها إلى الفاءِ، مِثْلُ: قرَّ يقِرُّ، والأمْرُ منه: قِرَّ؛ تقولُ في اتِّصالِ المُضارِعِ بنُونِ النِّسوةِ: يقْرِرْنَ ويَقِرْنَ، وفي الأمْرِ: اقْرِرْنَ، وقِرْنَ
، وهو مِنْ قَرَرتُ بالمَكانِ أقِرُّ، سُكِّنَ الحرْفُ الأخيرُ في المُضارِعِ منه معَ نُونِ النِّسوةِ، فجاز تَخفيفُه بحذْفِ عَينِه ونقْلِ حَرَكتِها إلى الفاءِ، وأيضًا في الأمْرِ منه؛ إذِ اجْتَمع مِثْلان أوَّلُهما مَكْسورٌ، حَسُن الحَذْفُ فيه كما حذَفوا في المَاضي مِنه
.
فَوائِدُ:- ثَمَّةَ خِلافٌ في اطِّرادِ هذا الحَذْفِ في المُضارِعِ والأمْرِ؛ فقد اضْطربَتْ فيه أقْوالُ
ابنِ مالِكٍ، فذكَر في الشَّافِيةِ اطِّرادَه
، وذكَر في التَّسهيلِ أنَّه غيرُ مُطَّرِدٍ
، وسَمِع الفَرَّاءُ: يَنْحَطْنَ في: يَنْحَطِطْنَ
.
- قرأ
عاصِمٌ و
نافِعٌ قولَه تعالى:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحْزاب: 33]
بحذْفِ العَينِ وعَدَمِ نقْلِ حَركتِها، فبَقِيتِ القافُ على الفتْحِ، وهي قِراءةٌ ثابِتةٌ فَصيْحةٌ لا قَبولَ لقَولِ مَنْ أنكَرها، وفيها أقْوالٌ:
1- أنَّه أمْرٌ مِن قرَّ يقَرُّ بالمَكانِ، وأصْلُه: (واقْرَرْن)، اجْتَمع مِثْلانِ في الأمْرِ أوَّلُهما مَفْتوحٌ فحَذفوا العَينَ كما في المَاضي، وهُو قَليلٌ؛ لأنَّ العَينَ مَفْتوحةٌ، والشَّرطُ أنْ تكونَ العَينُ مَكْسورةً، ولأنَّ الأشْهَرَ في (قرَّ) بالمَكانِ قرَرتُ أقِرُّ (بالفتْحِ في الماضي والكسْرِ في المُضارِعِ)، والمَشْهورُ في قَرِرتُ أقَرُّ (بالكسْرِ في الماضي والفتْحِ في المُضارِعِ) فمِن قُرَّةِ العَينِ
.
ومَنْ قرأ بكسْرِ القافِ فقال:
وَقِرْنَ فإنَّه أمْرٌ مِن قرَّ يقِرُّ وأصْلُه: (واقرِرْنَ)، نقَل كسْرةَ الرَّاءِ بعدَ سُقوطِها إلى القافِ
.
2- وبعضُهم ذكَر أنَّ قَرْنَ بالفتْحِ أمْرٌ مِن قارَ يَقَارُ (مِثْلُ: خاف يخاف)، بمَعْنى الاجْتِماعِ
.
3- وبعضُهم ذكَر قِرْنَ بالكَسْرِ مِنَ الوَقارِ، أيْ مِن: وقَر يقِرُ وقورًا، فيكونُ (قِرْنَ) مَحْذوفَ الفاءِ، مِثْلُ: وعَد، عِدْنَ
.