المَطْلَبُ الثَّاني: الفِعلُ المُضارِعُ
                                        
                                    
                                    
                                        تأثيرُ النُّونِ على الفِعلِ المُضارِع الدَّاخِلةِ عليه:لها تأثيرانِ:
تأثيرٌ لَفظيٌّ: وهو إخراجُ الفِعلِ إلى البناءِ بعد أن كان مُعْرَبًا.
وتأثيرٌ مَعنويٌّ: وهو جَعْلُ الفِعلِ للاستِقبالِ فقط، بعد أن كان يَصلُحُ للحالِ والاستقبالِ 
 [924] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 163).  .
للمُضارِع مع نونِ التوكيدِ سِتُّ حالاتٍ  [925] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 300 – 307)، ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 95 – 99).  :الحالةُ الأُولى: التوكيدُ الواجِبُ:قال 
ابنُ مالِكٍ: (تَلحَقانِ وُجوبًا المُضارِعَ الخاليَ مِن حَرفِ تنفيسٍ، المُقسَمِ عليه، مُستقبَلًا مُثبَتًا غيرَ مُتعَلِّقٍ به جارٌّ سابِقٌ) 
 [926] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 664).  ، وتفصيلُ الشُّروطِ كالآتي:
1- أن يكونَ مُثبَتًا، فلا يؤكَّدُ، مِثْلُ: واللهِ لا يقومُ زَيدٌ غَدًا.
2- أن يكونَ الفِعلُ مُستقبَلًا؛ لأنَّ القَسَمَ لا يكونُ إلَّا مُستقبَلًا؛ فلا يُؤكَّدُ بهما المُضارِعُ إذا كان للحالِ، كقَولِ الشَّاعِرِ من المتقارب:
يمينًا لأُبغِضُ كُلَّ امرئٍ
يُزخْرِفُ قَولًا ولا يفْعَلُ 
 [927] يُنظر: ((التذييل والتكميل)) لأبي حيان (7/ 152).  فاللَّامُ في (أُبغِضُ) جَعَلَت المُضارِعَ خالصًا للحالِ، فلا تدخُلُه النُّونُ؛ لأنَّها تخلِّصُ الفِعلَ للحالِ، وذلك ينافي الاستِقبالَ.
3- أن يكونَ واقِعًا في جوابِ قَسَمٍ، فلا يؤكَّدُ، نَحْوُ: يقومُ زَيدٌ غَدًا.
4- ألَّا يكونَ المُضارِعُ مَفصولًا عن لامِ القَسَمِ بفاصِلٍ؛ من مَعمولِه، أو (قد)، أو حَرفِ تنفيسٍ، فلا يؤكَّدُ، مِثْلُ: واللهِ لَزَيدًا أضرِبُ، ولَمُسرِعًا أخي، ولساهِرًا أبيتُ؛ لأنَّ المُضارِع مفصولٌ عن اللَّامِ بمَعمولِه، ولا يؤكَّدُ، مِثْلُ: 
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى: 5] ؛ للفَصلِ بحَرفِ التَّنفيسِ (سوف)، ولا يؤكَّدُ، مِثْلُ: واللهِ لقد أذهَبَ؛ للفَصْلِ بـ(قد) 
 [928] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 655)، ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 664، 665)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 300، 301).  .
الحالةُ الثَّانيةُ: أن يكونَ توكيدُه قريبًا من الواجِبِ:إذا كان المُضارِعُ شرطًا لـ(إنْ) المؤكَّدةِ بـ(ما) الزَّائِدةِ، كقَولِه تعالى: 
فَإِمَّا تَرَيِنَّ... [مريم: 26] ، وقَولِه تعالى: 
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ... [الزخرف: 41] ، ويَقِلُّ تَرْكُ توكيدِ الفِعلِ المُضارِعِ بَعْدَ (إمَّا) الشَّرطيَّةِ في النَّثْرِ، وقيل: إنَّه يختَصُّ بالضَّرورةِ؛ ومِثالُ عَدَمِ توكيدِه قولُهُ من البسيط:
يا صاحِ إمَّا تَجِدْني غيرَ ذِي جِدَةْ
فما التخَلِّي عن الخِلَّانِ مِن شِيَمِي 
 [929] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 301، 302).  وفي دُخولِ النُّونِ على الفِعلِ المُضارِع بعد (إمَّا) الشَّرطيَّةِ مَذهبانِ:
الجُمهورُ وسِيبَوَيهِ: قالوا: إنَّ دُخولَ النُّونِ على الفِعلِ المُضارِع بَعْدَ (إمَّا) الشَّرطيَّةِ جائِزٌ 
 [930] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 656).  .
المُبَرِّدُ  [931] نسب أبو حيان في ((الارتشاف)) (2/ 656)، وابن مالك في ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 667)، والسيوطي في ((الهمع)) (2/ 613)؛ نسبوا هذا المذهَبَ للمُبَرِّدِ، لكن ظاهِرُ كلامِ المبَرِّدِ في ((المقتضب)) (3/ 13، 14) لا يعطي ما قالوه؛ إذ الظَّاهِرُ أنَّه كان يقولُ بالجوازِ كسِيبَوَيهِ.  والزَّجَّاجُ: قالوا: توكيدُ الفِعلِ بالنُّونِ بَعْدَ (إمَّا) الشَّرطيَّةِ واجِبٌ لازمٌ، ودعاهم إلى ذلك أنَّها لم يأتِ في القُرآنِ إلَّا مؤكَّدًا بالنُّونِ، وقَولُهم مردودٌ بالسَّماعِ 
 [932] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 667، 668).  .
الحالةُ الثَّالثةُ: أن يكونَ توكيدُه كثيرًا:وذلك إذا وقع المُضارِعُ بعد أداة طَلَبٍ، مِثْلُ: لامِ الأمرِ، ولا النَّاهِيةِ، وأدواتِ الاستفهامِ، والعَرْضِ والتحضيضِ، والتمَنِّي والترَجِّي:
لامُ الأمرِ: لِتَفعَلَنَّ الخيرَ.
لا النَّاهِيةُ: 
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا [الكهف: 23] .
الاستِفهامُ: سواءٌ أكان الاستِفهامُ بحَرفٍ أم باسْمٍ، مِثْلُ: هل تَقومَنَّ؟ أتقومَنَّ؟ كيف تقومَنَّ؟ ومنه قَولُ الأعشى من المتقارب:
وهل يمنَعَنِّي ارتيادُ البِلا
دِ مِن حَذَرِ الموتِ أن يأتِيَنْ 
 [933] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 513).  التمَنِّي: ومنه قَولُ الشَّاعِرِ من الطويل:
فلَيْتَكِ يومَ المُلْتَقى تَرَيِنَّني
لكي تَعْلَمي أنِّي امْرُؤٌ بكِ هائِمُ 
 [934] يُنظر: ((التذييل والتكميل)) لأبي حيان (6/ 249).  التحضيضُ: ومنه قَولُ الشَّاعِرِ من البسيط:
هلَّا تَمُنِّنْ بوَعدٍ غَيرَ مُخلِفةٍ
كما عَهِدْتُكِ في أيَّامِ ذي سَلَمِ 
 [935] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 323).  العَرْضُ: مِثلُ: ألا تزورَنِّي، ألا تنزِلَنَّ، لولا تقولَنَّ.
الترجِّي: مِثلُ: لعلَّك تتأدَبَنَّ.
الدُّعاء: ومنه قَولُ خِرْنِقِ بنتِ هفَّان من الكامل:
لا يَبْعَدَنْ قومي الَّذينَ هُمُ
سَمُّ العُدَاةِ وآفَةُ الجُرْزِ 
 [936]  يَبْعَدَنْ: يَهْلَكَنْ، وآفَةُ الجُزْرِ، أي: يُكثِرونَ مِن نَحرِ الجُزُرِ للضِّيفانِ. ينظر: ((شرح الشواهد الكبرى)) للعيني (3/ 1458).   [937] يُنظر: ((الهمع)) للسيوطي (2/ 611، 612).  الحالةُ الرَّابِعةُ: أن يكونَ توكيدُه قليلًا:وذلك بَعْدَ:
(لا) النَّافِيةِ:وفي توكيدِ المُضارِعِ بالنُّون بعد (لا) النافيةِ مَذهَبانِ؛ فالجُمهورُ لا يجوِّز توكيدَ الفِعْلِ بالنُّونِ معها، و
ابنُ جِنِّي و
ابنُ مالِكٍ  [938] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 668).  يقولانِ بالجوازِ؛ لمجيئه في القُرآنِ في قَولِه تعالى: 
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: 25]   [939] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 656، 657).  .
(ما) الزَّائِدةِ:كقولهم: بجُهدٍ ما تَبْلُغَنَّ، وبعَينٍ ما أرينَّك، وقولِ الشَّاعِرِ من الطويل:
إذا مات سَيِّدٌ سَرَق ابْنُه
ومِن عِضَةٍ ما يَنبُتَنَّ شَكِيرُها 
 [940] يُنظر: ((خزانة الأدب)) للبغدادي (4/ 22)، العِضَةُ: شَجَرٌ، والشَّكيرُ: الشَّوكُ أو وَرَقُها الصِّغارُ، ومعنى البيتِ: إذا مات منهم أحَدٌ عَقَبَه ابنُه ولا عَجَبَ في ذلك؛ لأنَّ العِضَةَ لا تُنبِتُ إلَّا الشَّكِيرَ؛ يريدُ أنَّ الابنَ يُشبِهُ الأبَ. ينظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (36/ 440، 441).  وكُلُّها على تأويلِ النَّفْيِ: أي: لا تَبلُغَنَّ إلَّا بجُهدٍ، ولا أراك إلَّا بعَينٍ، ولا يَنبُتَنَّ من عِضَةٍ إلَّا شَكِيرُها 
 [941] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 660).  .
الحالةُ الخامِسةُ: أن يكونَ توكيدُه أقَلَّ:وذلك يكونُ المُضارِعُ بَعْدَ (لم):جاء توكيدُ المُضارِعِ المنفيِّ بـ(لم) على قِلَّةٍ، كقَولِ أبي حيَّانَ الفَقْعَسيِّ من الرجز:
يَحسَبُه الجاهِلُ ما لم يَعْلَمَا
شيخًا على كُرْسِيِّه مُعَمَّمَا
والشَّاهِدُ في (يَعْلَمَا)؛ حيث أراد (يَعْلَمَنْ) ثم أبدل النُّوَن ألفًا للوَقْفِ، وهذا لا يجوزُ عند 
سِيبَوَيهِ إلَّا في اضطِرارٍ 
 [942] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 516).  .
المُضارِعُ في الشَّرطِ مُجَرَّدًا مِن (ما):كقَولِ الشاعرَّ ِمِن الكامل:
من نَثْقَفَنْ منهم فليس بآيبٍ
أبدًا وقَتْلُ بني قُتَيبةَ شافي 
 [943] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 655).  وقد جاء توكيدُ المُضارِع:بعد (رُبَّما):قد يأتي المُضارِعُ بَعْدَ (رُبَّما) مُؤَكَّدًا بالنُّونِ، وهو جَيِّدٌ، لكِنْ عَدَمُ التأكيدِ بالنُّونِ (أكثَرُ وأجودُ) 
 [944] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 518).  ، ومنه قَولُ جذيمة الأبرش من المديد:
ربَّما أَوفَيتُ في عَلَمٍ
تَرْفَعَنْ ثَوبي شَمالاتُ 
 [945]  أَوْفَيْتُ: أَشْرَفْتُ وصَعِدْتُ، فِي عَلَمٍ، أَي: على جَبَلٍ، والشَّمالاتُ: جَمْعُ شمالٍ، وَهِي الرِّيحُ الَّتِي تهبُّ من ناحِيَةِ القُطْبِ. ينظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (40/ 501).  في جوابِ الشَّرطِ:وذلك قليلٌ في الشِّعْرِ؛ كما يقولُ 
سِيبَوَيهِ، كقَولِ القائِلِ:
فمَهْما تَشَأْ منه فَزارةُ تُعْطِكم
ومهما تشَأْ منه فزارةُ تَمنَعَا
يريد: تمنَعَنْ، أُبِلَت النُّون ألفًا للوَقْفِ 
 [946] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 515).  .
الحالة السَّادسةُ: يكونُ توكيدُه بالنُّونِ ممتنعًا:إذا انتَفَت شروطُ التوكيدِ الواجِبِ، ولم يكُنْ مِمَّا سبق.
فائدةٌ:تدخُلُ النُّونُ على اسمِ الفاعِلِ للضَّرورةِ، مِثْلُ: 
أقائِلُنَّ أحضِروا الشُّهودا
لأنه في معنى: تقولُ؛ فالذي سوَّغ دخولَها على اسمِ الفاعِلِ شَبَهُهُ بالمُضارِع 
 [947] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 660، 661).  .
مع فِعْلِ التعَجُّبِ:تدخُلُ النُّونُ أفعَلَ التعَجُّبِ شُذوذًا، مِثْلُ: أحسِنَنَّ بزيدٍ، ومنه:
فأَحْرِ به مِن طُولِ فَقْرٍ وأَحْرِيَا
والشَّاهِدُ في: (وأَحْرِيَا) أبدِلَت النُّون ألفًا للوقف 
 [948] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 666).  .