الموسوعة العقدية

المَطْلَب الثَّاني: نَفيُ مُماثلةِ شَيءٍ مِن الأشياءِ للهِ تعالى فيما يَستَحِقُّه مِن صِفاتِ الكَمالِ

قال اللهُ تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصْيِرُ  [الشورى: 11] .
وقال اللهُ سبحانه: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [الروم: 27] .
وقال اللهُ عز وجل: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] .
وقال اللهُ تبارك وتعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65] .
قال ابنُ جريرٍ: (عن ابنِ عَبَّاسٍ، قَولُه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65] . يقولُ: هل تَعلَمُ للرَّبِّ مَثَلًا أو شَبيهًا) [3401] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/ 585). .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى أي: الصِّفةُ الأعلى، والصِّفةُ الأعلى أنَّه لا شريكَ له، وليس كمِثْلِه شَيءٌ. قاله ابنُ عَبَّاسٍ. وقال قَتادةُ: الصِّفةُ الأعلى أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ. فجميعُ ما اتَّصَف اللهُ عَزَّ وجَلَّ به من الصِّفاتِ لا يُماثِلُه فيها أحَدٌ مِن خَلْقِه) [3402] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 207). .
وقال السَّعْديُّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أي: ليس يُشبِهُه تعالى ولا يماثِلُه شيءٌ مِن مخلوقاتِه؛ لا في ذاتِه، ولا في أسمائِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه؛ لأنَّ أسماءَه كُلَّها حُسنى، وصفاتِه صفةُ كَمالٍ وعَظَمةٍ، وأفعالَه تعالى أوجَدَ بها المخلوقاتِ العظيمةَ مِن غيرِ مُشارِكٍ، فليس كمِثْلِه شَيءٌ؛ لانفرادِه وتوحُّدِه بالكَمالِ مِن كُلِّ وَجهٍ) [3403] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 754). .
وقال الشِّنقيطيُّ: (نهى اللهُ جَلَّ وعلا في هذه الآيةِ الكريمةِ خَلْقَه أن يَضرِبوا له الأمثالَ، أي: يَجعَلوا له أشباهًا ونُظَراءَ مِن خَلْقِه، سُبحانَه وتعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا! وبَيَّن هذا المعنى في غيرِ هذا الموضِعِ، كقَولِه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الآية، وقَولِه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، إلى غيرِ ذلك من الآياتِ) [3404] يُنظر: ((أضواء البيان)) (2/ 418). .
والأدِلَّةُ على هذا مِنَ القُرآنِ، قد وردت على قِسمَينِ:
1-خَبَرٌ.
2- طَلَبٌ.
- فمِنَ الخَبَرِ قَولُه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصْيِرُ *الشورى: 11*.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فبَيَّن بذلك أنَّ اللهَ لا مِثْلَ له ولا سَمِيَّ ولا كُفُوًا، فلا يجوزُ أن يكونَ شَيءٌ مِن صفاتِه مماثِلًا لشَيءٍ مِن صفاتِ المخلوقاتِ، ولا أن يكونَ المخلوقُ مُكافِئًا ولا مُسامِيًا له في شَيءٍ مِن صفاتِه سُبحانَه وتعالى) [3405] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/516). .
- ومِنَ الطَّلَبِ قَولُه تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * البقرة: 22*.
وقَولُه سُبحانَه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ *النحل: 74* [3406] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/103). .
وقال أيضًا: (فالرُّسُلُ وَصَفوا اللهَ بصِفاتِ الكَمالِ، ونَزَّهوه عن النَّقائِصِ المناقِضةِ للكَمالِ، ونَزَّهوه عن أن يكونَ له مِثلٌ في شَيءٍ مِن صفاتِ الكَمالِ، وأثبَتوا له صِفاتِ الكَمالِ على وَجهِ التَّفصيلِ، ونَفَوا عنه التَّمثيلَ، فأَتَوا بإثباتٍ مُفَصَّلٍ ونَفْيٍ مُجمَلٍ؛ فمن نفى عنه ما أثبَتَه لنَفْسِه من الصِّفاتِ، كان مُعَطِّلًا، ومَن جَعَلَها مِثلَ صِفاتِ المخلوقينَ، كان مُمَثِّلًا، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا، والممَثِّلُ يَعبُدُ صَنَمًا) [3407] يُنظر: ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (4/406). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (قد ردَّ طائِفةٌ من النَّاسِ تفسيرَ الصَّلاةِ مِنَ اللهِ بالرَّحمةِ بأنْ قال: الرَّحمةُ معناها رِقَّةُ الطَّبعِ، وهي مُستحيلةٌ في حَقِّ اللهِ سُبحانَه وتعالى، كما أنَّ الدُّعاءَ منه سُبحانَه مُستحيلٌ، وهذا الذي قاله هذا عِرْقٌ جَهْميٌّ يَنضَحُ مِن قَلْبِه على لِسانِه، وحقيقتُه إنكارُ رَحمةِ اللهِ جملةً، وكان جَهمٌ يَخرُجُ إلى الجَذْمى، ويقولُ: أرحَمُ الرَّاحِمينَ يفعَلُ هذا! إنكارًا لرحمتِه سُبحانَه. وهذا الذي ظَنَّه هذا القائِلُ هو شُبهةُ مُنكِري صِفاتِ الرَّبِّ سُبحانَه وتعالى؛ فإنَّهم قالوا: الإرادةُ: حَركةُ النَّفسِ لجَلبِ ما ينفَعُها ودَفْعِ ما يَضُرُّها، والرَّبُّ تعالى يتعالى عن ذلك، فلا إرادةَ له! والغَضبُ: غَلَيانُ دَمِ القَلبِ طَلَبًا للانتقامِ، والرَّبُّ مُنَزَّهٌ عن ذلك، فلا غَضَبَ له! وسلكوا هذا المسلَكَ الباطِلَ في حياتِه وكَلامِه وسائِرِ صِفاتِه، وهو من أبطَلِ الباطِلِ؛ فإنَّه أخذ في مُسَمَّى الصِّفةِ خصائِصَ المخلوقِ، ثم نفاها جملةً عن الخالِقِ! وهذا في غايةِ التَّلبيسِ والإضلالِ؛ فإنَّ الخاصَّةَ التي أخَذَها في الصِّفةِ لم يَثبُتْ لها لِذاتِها، وإنَّما يَثبُت لها بإضافتِها إلى المخلوقِ الممكِنِ، ومعلومٌ أنَّ نَفيَ خصائصِ صِفاتِ المخلوقينَ عن الخالِقِ لا يقتَضي نَفْيَ أصلِ الصِّفةِ عنه سُبحانَه، ولا إثباتَ أصلِ الصِّفةِ له يقتضي إثباتَ خصائِصِ المخلوقِ له، كما أنَّ ما نُفِيَ عن صفاتِ الرَّبِّ تعالى من النَّقائِصِ والتَّشبيهِ لا يقتَضي نَفْيَه عن صفةِ المخلوقِ، ولا ما ثَبَت لها من الوُجوبِ والقِدَمِ والكَمالِ يَقتَضي ثُبوتَه للمخلوقِ، ولا إطلاقَ الصِّفةِ على الخالِقِ والمخلوقِ) [3408] يُنظر: ((جلاء الأفهام)) (ص: 168). .

انظر أيضا: