الموسوعة العقدية

 التَّقَرُّبُ والقُرْبُ والدُّنُوُّ

التَّقرُّبُ أو القُرْبُ والدُّنوُّ: مِن صِفاتِ اللهِ الفِعليَّةِ الثَّابتةِ له بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(القَريبُ) اسمٌ مِن أسمائِه تعالى.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قولُه تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] .
2- قولُه تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ: إنَّ رَبِّي قريبٌ ممَّن أخلَصَ له العبادةَ ورَغِبَ إليه في التَّوبةِ، مُجيبٌ له إذا دعاه) [1783] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/ 454). .
وقال السَّعْديُّ: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ أي: قريبٌ ممَّن دعاه دعاءَ مسألةٍ، أو دُعاءَ عِبادةٍ، يُجيبُه بإعطائِه سُؤلَه، وقَبولِ عِبادتِه، وإثابتِه عليها أجَلَّ الثَّوابِ، واعلَمْ أنَّ قُربَه تعالى نوعانِ: عامٌّ وخاصٌّ؛ فالقُربُ العامُّ: قُربُه بعِلْمِه من جميعِ الخَلْقِ، وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] . والقُربُ الخاصُّ: قُرْبُه من عابِدِيه وسائِلِيه ومُحِبِّيه، وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19] . وفي هذه الآيةِ، وفي قَولِه تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة: 186] ، وهذا النَّوعُ قُربٌ يقتضي إلطافَه تعالى، وإجابتَه لدعواتِهم، وتحقيقَه لمُراداتِهم؛ ولهذا يُقرَنُ باسمِه "القريبِ" اسمُه "المجيبُ") [1784] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 384). .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
1- حديثُ أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:... وَمَن تقرَّبَ منِّي شِبرًا تقرَّبتُ منه ذِراعًا، ومَن تقرَّبَ منِّي ذِراعًا تقرَّبتُ منه بَاعًا... )) [1785] أخرجه مسلم (2687) .
2- حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((أيُّها النَّاسُ، اربَعُوا على أنفُسِكم؛ إنَّكم لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولا غائبًا، ولكن تَدْعُونَ سَميعًا قريبًا، إنَّ الَّذي تَدْعُونَ أقرَبُ إلى أحَدِكم مِن عُنُقِ راحلتِه )) [1786] أخرجه مسلم (2704). .
3- حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها مرفوعًا: ((ما مِن يومٍ أكثَرَ مِن أن يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا مِن النَّارِ مِن يومِ عَرَفةَ، وإنَّه لَيَدْنُو ثمَّ يُباهي بهم الملائكةَ )) [1787] أخرجه مسلم (1348). .
إنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ مِن السَّلَفِ وأهْلِ الحديثِ يَعتَقِدونَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قريبٌ مِن عبادِه حقيقةً، كما يَليقُ بجَلالِه وعظَمتِه، وهو مُسْتَوٍ على عرشِه، بائنٌ مِن خَلْقِه، وأنَّه يتقرَّبُ إليهم حقيقةً، ويَدْنو منهم حقيقةً، ولكنَّهم لا يُفسِّرونَ كُلَّ قُرْبٍ وَرَدَ لفظُه في القُرآنِ أو السُّنَّةِ بقُرْبِ ذاتِه؛ فقد يكونُ القُربُ قُرْبَه بعِلْمِه وإجابتِه، أو قُرْبَ الملائكةِ، وذلك حسَبَ سياقِ اللَّفظِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا دُنُوُّهُ نَفْسه وتقرُّبُه مِن بعضِ عبادِه، فهذا يُثبِتُه مَن يُثبِتُ قيامَ الأفعالِ الاختياريَّةِ بنَفْسِه، ومَجيئَه يومَ القيامةِ، ونزولَه، واستواءَه على العرشِ، وهذا مذهبُ أئمَّةِ السَّلَفِ وأئمَّةِ الإسلامِ المشهورينَ وأهلِ الحديثِ، والنَّقلُ عنهم بذلك متواتِرٌ) [1788] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/466). .
وقال أيضًا: (... لا يلزَمُ مِن جوازِ القُربِ عليه أن يكونَ كُلُّ مَوضعٍ ذكَرَ فيه قُربَه يُرادُ به قُربُه بنَفْسِه، بل يبقى هذا مِن الأمورِ الجائزةِ، ويُنظَرُ في النَّصِّ الواردِ؛ فإنْ دلَّ على هذا حُمِلَ عليه، وإنْ دلَّ على هذا حُمِلَ عليه، وهذا كما تقدَّمَ في لفظِ الإتيانِ والمَجيءِ) [1789] يُنظر: ((المصدر السابق)) (6/14). .
وقد أطال ابنُ تيميَّةَ الكلامَ على هذه المسألةِ بما لا مَزيدَ عليه [1790] انظر -إن شئتَ- المواضع التالية: (5/232-237، 240-241، 247-248، 459-467، 494-514) و (6/5، 8، 12-14، 19-25، 30-32، 76)، ويُنظر: كتاب: ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (المثال الحادي عشر والثاني عشر) (ص: 67). .
قال ابنُ رَجَبٍ: (قد دَلَّ القرآنُ على هذا المعنى في مواضِعَ متعَدِّدةٍ... وقد وردت الأحاديثُ الصَّحيحةُ بالنَّدبِ إلى استِحضارِ هذا القُربِ في حالِ العِباداتِ... ومَن فَهِمَ من شَيءٍ مِن هذه النُّصوصِ تشبيهًا أو حلولًا أو اتِّحادًا، فإنَّما أُتِيَ مِن جَهْلِه، وسوءِ فَهمِه عن اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واللهُ ورَسولُه بَريئانِ مِن ذلك كُلِّه، فسُبحانَ من ليس كمِثلِه شَيءٌ، وهو السَّميعُ البَصيرُ) [1791] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 130 - 132). .
وممَّن أَثبَتَ اسمَ (الْقَرِيِب) للهِ عزَّ وجلَّ: الخَطابيُّ [1792] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 102). ، وابنُ مَنْدَه [1793] يُنظر: ((التوحيد)) (2/171). ، وابنُ حزمٍ [1794] يُنظر: ((المحلى)) (8/ 31). ، وابنُ القيِّمِ [1795] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (ص: 719) ، وابنُ حَجَرٍ [1796] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/219). ، وابنُ عُثَيمين [1797] يُنظر: ((القواعِد المُثْلَى)) (ص: 15). .

انظر أيضا: