الموسوعة العقدية

الفَرعُ الأوَّلُ: من أنواعِ التَّوسُّلِ الممنوعِ: التَّوسُّلُ إليه تعالى بذاتِ وشَخصِ المُتَوسَّلِ به

إنَّ التَّوسُّلَ بذاتِ وشَخصِ المتوسَّلِ به إلى اللهِ تعالى: عملٌ غيرُ شَرْعيٍّ، قد ذمَّه اللهُ تعالى، فقال: أَلَا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزُّمر: 3] .
فقد عاب اللهُ على المُشْرِكين في هذه الآيةِ عِبادتَهم الأولياءَ مِن دُونِه، ومحاوَلَتَهم القُربى والزُّلفى إليه تعالى بالأشخاصِ والعِبادِ المخلوقينَ، فكِلا الأمرينِ باطِلٌ وكَذِبٌ وضَلالٌ.
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آَمِنُونَ [سبأ: 37] .
فالقُربُ مِن اللهِ والفوزُ بالمنازلِ العظيمةِ ومُضاعفةُ الحَسَناتِ: إنَّما يكونُ بالأعمالِ الصَّالحاتِ، لا بالجاهاتِ والوَساطاتِ.
سُئِلَ ابنُ تيميَّةَ عن رجُلينِ تناظرا، فقال أحَدُهما: لا بدَّ لنا من واسطةٍ بيننا وبين اللهِ؛ فإنَّا لا نَقدِرُ أن نَصِلَ بغيرِ ذلك، فأجاب: (الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، إن أراد بذلك أنَّه لا بُدَّ مِن واسطةٍ تُبلِّغُنا أمرَ اللهِ، فهذا حَقٌّ؛ فإنَّ الخَلقَ لا يَعلَمونَ ما يحِبُّه اللهُ ويرضاه، وما أَمَر به وما نهى عنه، وما أعَدَّه لأوليائِه مِن كرامتِه، وما وعد به أعداءَه مِن عَذابِه، ولا يَعرِفون ما يستَحِقُّه اللهُ تعالى من أسمائِه الحسنى وصِفاتِه العُليا التي تَعجِزُ العُقولُ عن مَعرفتِها، وأمثالَ ذلك؛ إلَّا بالرُّسُلِ الذين أرسَلَهم اللهُ إلى عبادِه؛ فالمؤمِنون بالرُّسُلِ المتَّبِعون لهم هم المهتدون الذين يُقَرِّبُهم لديه زُلفى، ويرفَعُ دَرَجاتِهم، ويُكرِمُهم في الدُّنيا والآخِرةِ ... وإن أراد بالواسِطةِ: أنَّه لا بُدَّ مِن واسِطةٍ في جَلْبِ المنافِعِ ودَفْعِ المضارِّ؛ مِثلُ: أن يكونَ واسِطةً في رِزقِ العِبادِ ونَصْرِهم وهُداهم؛ يسألونَه ذلك ويَرْجون إليه فيه: فهذا من أعظَمِ الشِّرْكِ الذي كَفَّرَ اللهُ به المُشْرِكين؛ حيث اتَّخَذوا من دونِ اللهِ أولياءَ وشُفَعاءَ؛ يجتَلِبونَ بهم المنافِعَ، ويجتَنِبون المضارَّ) [514] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (1/121-123). .
وسُئِل حَمَد بن ناصر بن مَعْمَر عن قَولِه: (أسألُك بحَقِّ السَّائلين عليك)...؟ إلخ.
فأجاب: (أمَّا السُّؤالُ عن قَولِ الخارجِ إلى الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ إني أسألُك بحَقِّ السَّائلين عليك» [515] أخرجه من طُرُقٍ ابنُ ماجَهْ (778)، وأحمد (11156) مطولًا، من حديث أبي سعيد الخُدريٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ضَعَّفه ابن بازٍ في ((التُّحفة الكريمة)) (175)، والألبانيُّ في ((ضعيف سُنن ابن ماجهْ)) (778)، وضعَّف إسنادَه البُوصيريُّ في ((إتحاف الخِيَرة المَهَرة)) (2/32)، وشُعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11156)، وقال ابن تَيميَّة في ((التَّوسُّل والوسيلة)) (ص215): «من رِوايةِ عَطِيَّةَ العَوفيِّ، هو ضَعيفٌ بإجماعِ أهلِ العِلمِ، وقد رُوِيَ من طَريقٍ آخَرَ، وهو ضَعيفٌ أيضًا». والحديث رُوِيَ عن بِلالٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ إذا خَرَج إلى الصَّلاةِ قال: ((بِاسمِ اللهِ، آمَنتُ باللهِ، تَوكَّلتُ على اللهِ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، اللَّهُمَّ بحَقِّ السَّائلين عَلَيكَ، وبحَقِّ مَخرَجي هذا؛ فإنِّي لم أخرُجْه أشَرًا ولا بَطَرًا ولا رِياءً ولا سُمعةً، خَرَجتُ ابتِغاءَ مَرضاتِكَ، واتِّقاءَ سَخَطِكَ، أسألُكَ أن تُعيذَني منَ النَّارِ، وتُدخِلَني الجَنَّةَ)) أخرجه ابن السُّنِّيِّ في ((عمل اليوم والليلة)) (84). ضعَّفه جدًّا الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الضَّعيفة)) (6252)، وضعَّفَه النَّوويُّ في ((الأذكار)) (45)، وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/267): «واهٍ جدًّا». ، فهذا ليس فيه دليلٌ على جوازِ السُّؤالِ بالمخلوقِ، كما قد توهَّم بعضُ النَّاسِ، فاستدَلَّ به على جوازِ التوسُّلِ بذواتِ الأنبياءِ والصَّالحين، وإنَّما هو سؤالُ اللهِ تعالى بما أوجبه على نَفْسِه فَضلًا وكرمًا؛ لأنَّه يجيبُ سُؤالَ السَّائلين إذا سألوه، كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] ، ونظيرُه قَولُه تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] ، وقَولُه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود: 6] ، وقَولُه: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 88] . هذا ما ذكَرَه العُلَماءُ في الحديثِ الوارِدِ في ذلك إن صَحَّ، وإلَّا فهو ضعيفٌ، وعلى تقديرِ صِحَّتِه فهو من بابِ السُّؤالِ بصِفاتِ اللهِ، لا من بابِ السُّؤالِ بذَواتِ المخلوقينَ. واللهُ أعلَمُ) [516] يُنظر: ((الدرر السنية)) (2/160). .

انظر أيضا: