الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: أفعالُ اللهِ كُلُّها عَدلٌ ورَحمةٌ وحِكمةٌ

اللهُ سُبحانَه وتعالى منزَّهٌ عن الظُّلمِ، ومتَّصِفٌ بالعَدلِ، فلا يظلِمُ أحدًا مِثقالَ ذَرَّةٍ، وكُلُّ أفعالِه عدلٌ ورحمةٌ، وموافِقةٌ للحِكمةِ.
قال اللهُ تعالى: وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق: 29] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] .
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: إِنَّ اللّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] .
وقال اللهُ تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [سورة طـه: 112].
وقال اللهُ سُبحانَه: قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق: 28-29] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لِّما جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [سورة هود:101].
وعن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّه قال: ((يا عبادي إني حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعَلْتُه بينكم محَرَّمًا؛ فلا تَظالَموا ))( رواه مسلم (2577) مُطَوَّلًا. .
قال ابنُ رجبٍ: (يعني: أنَّه منع نَفْسَه من الظُّلمِ لعِبادِه، كما قال عزَّ وجَلَّ: وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق: 29] ... وقال: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه: 112] ، والهَضمُ: أن يُنقَصَ من جزاءِ حَسَناتِه، والظُّلمُ: أن يُعاقَبَ بذنوبِ غَيرِه، ومِثلُ هذا كثيرٌ في القرآنِ...
وكونُه خلَق أفعالَ العِبادِ وفيها الظُّلمُ، لا يقتضي وَصْفَه بالظُّلمِ سُبحانَه وتعالى، كما أنَّه لا يوصَفُ بسائِرِ القبائِحِ التي يفعَلُها العِبادُ، وهي خَلقُه وتقديرُه، فإنه لا يُوصَفُ إلَّا بأفعالِه لا يوصَفُ بأفعالِ عبادِه؛ فإنَّ أفعالَ عِبادِه مخلوقاتُه ومفعولاتُه، وهو لا يُوصَفُ بشَيءٍ منها، إنما يوصَفُ بما قام به من صفاتِه وأفعالِه. واللهُ أعلمُ)( يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) (2/ 34-36).
قال الطَّحاويُّ: (كُلُّ شيءٍ يجري بمشيئةِ اللهِ تعالى وعِلْمِه وقَضائِه وقَدَرِه، غَلَبَت مشيئتُه المشيئاتِ كُلَّها، وغَلَب قضاؤُه الحِيَلَ كُلَّها، يفعَلُ ما يشاء وهو غيرُ ظالمٍ أبدًا، تقَدَّس عن كُلِّ سُوءٍ وحَينٍ، وتنَزَّه عن كُلِّ عَيبٍ وشَينٍ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23] )( يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 79). .
وقال أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (أجمعوا على أنَّه عادِلٌ في جميعِ أفعالِه وأحكامِه، ساءنا ذلك أم سرَّنا، نفَعَنا أو ضَرَّنا)( يُنظر: ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) (ص: 139). .
وقال ابنُ حزمٍ: (كُلُّ أفعالِه تعالى عدلٌ وحِكمةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى واضِعُ كُلِّ موجودٍ في مَوضِعِه، وهو الحاكِمُ الذي لا حاكِمَ عليه ولا مُعَقِّبَ لحُكمِه)( يُنظر: ((المحلى)) (1/ 38). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (اتَّفق المسلمون وغيرُهم على أنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عن الظُّلمِ)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 505). .
وقال أيضًا: (إنَّ الواحِدَ من النَّاسِ إذا عاقبه غيرُه بسيِّئاتِه وانتصف للمظلومِ من الظالمِ، لم يكُنْ ذلك ظُلمًا منه باتفاقِ العُقَلاءِ، بل ذلك أمرٌ محمودٌ منه، ولا يقولُ أحدٌ: إنَّ الظالمَ معذورٌ لأجْلِ القَدَرِ؛ فرَبُّ العالَمين إذا أنصف بعضَ عبادِه من بعضٍ وأخذ للمظلومين حقَّهم من الظالِمين، كيف يكونُ ذلك ظُلمًا منه لأجْلِ القَدَرِ؟ وكذلك الواحِدُ من العِبادِ إذا وضع كُلَّ شيءٍ مَوضِعَه فجعل الطَّيِّبَ مع الطَّيِّبِ في المكانِ المناسِبِ له، وجعل الخبيثَ مع الخبيثِ في المكانِ المناسِبِ له؛ كان ذلك عدلًا منه وحِكمةً)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (17/176). .
وقال ابنُ عثيمين: (يؤمِنُ أهلُ السُّنَّة والجماعةِ بأنَّ مشيئةَ اللهِ تعالى تابعة لحِكمَتِه، وأنَّه سُبحانَه وتعالى ليس مشيئتُه مُطلَقةً مُجرَّدةً، ولكِنَّها مشيئةٌ تابعةٌ لحِكمَتِه؛ لأنَّ من أسماءِ اللهِ تعالى الحكيمَ، والحكيمُ هو الحاكِمُ المُحكِمُ الذي يحكُمُ الأشياءَ كونًا وشَرْعًا، ويحكُمُها عملًا وصنعًا. واللهُ تعالى بحِكْمَتِه يُقَدِّرُ الهدايةَ لِمن أرادها لمن يَعلَمُ سُبحانَه وتعالى أنَّه يريدُ الحَقَّ وأنَّ قَلْبَه على الاستقامةِ، ويُقَدِّرُ الضَّلالةَ لِمن لم يكُنْ كذلك؛ لِمن إذا عُرِض عليه الإسلامُ يضيقُ صَدرُه كأنما يصَّعَّدُ في السَّماءِ؛ فإنَّ حِكْمةَ اللهِ تبارك وتعالى تأبى أن يكونَ هذا من المهتدين إلَّا أن يجدِّدَ اللهُ له عزمًا، ويَقلِبَ إرادتَه إلى إرادةٍ أخرى، واللهُ تعالى على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، ولكِنْ حِكْمةُ اللهِ تأبى إلَّا أن تكونَ الأسبابُ مربوطةً بها مُسَبَّباتُها)( يُنظر: ((رسالة في القضاء والقدر)) (ص: 20). .

انظر أيضا: