الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: مَعنى النَّفخِ في الصُّورِ

عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((جاءَ أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ما الصُّورُ؟ قال: قَرنٌ يُنفَخُ فيه )) .
قال الرَّازي: (قَولُه: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ [طه: 102] ولا شُبهةَ أنَّ المَرادَ منه يَومُ الحَشرِ، ولا شُبهةَ عِندَ أهلِ الإسلامِ أنَّ الله سُبحانَه خَلقَ قَرنًا يَنفُخُ فيه مَلَكٌ من المَلائِكةِ، وذلك القَرنُ يُسَمَّى بالصُّورِ، على ما ذَكَرَ اللهُ تعالى هذا المَعنى في مَواضِعَ من الكِتابِ الكَريمِ) .
قال أبو الهيثَم: (مَن أنكَرَ أن يَكونَ الصُّورُ قَرنًا فهو كمن يُنكِرُ العَرْشَ والميزانَ والصِّراطَ، وطَلَبَ لها تَأويلاتٍ) .
وقال ابنُ جَريرٍ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [الأنعام: 73] : (اختُلِفَ في مَعنى الصُّورِ في هذا المَوضِعِ، فقال بَعضُهم: هو قَرنٌ يُنفَخُ فيه... وقال آخَرونَ: الصُّورُ في هذا المَوضِعِ: جَمعُ صورةٍ يُنفَخُ فيها روحُها فتحيا، كقَولِهم: سورٌ لسورِ المَدينةِ، وهو جَمعُ سورةٍ... والصَّوابُ من القَولِ في ذلك عِندَنا ما تَظاهَرَتْ به الأخبارُ عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه قال: ((الصُّورُ قَرنٌ يُنفَخُ فيهـ)) .
وقال البَغَويُّ: (الصُّورُ: قَرنٌ يُنفَخُ فيه، قال مُجاهدٌ: كهَيئةِ البوقِ، وقيلَ: هو بلُغةِ أهلِ اليَمنِ، وقال أبو عُبَيدةَ: الصُّورُ هو الصُّورُ، وهو جَمعُ الصُّورةِ، وهو قَولُ الحَسَنِ، والأوَّلُ أصَحُّ) .
وقال ابنُ الجَوزيِّ: (في ((الصُّورِ)) قَولانِ:
أحَدُهما: أنَّه قَرنٌ يُنفَخُ فيه... وهذا اختيارُ الجُمهورِ.
والثَّاني: أنَّ الصُّورَ جَمعُ صورةٍ، يُقالُ: صورةٌ وصُوَرٌ، بمَنزِلةِ سورةٍ وسُوَرٍ، كسورةِ البِناءِ، والمُرادُ نَفخُ الأرواحِ في صُوَرِ النَّاسِ، قاله قتادةُ، وأبو عُبَيدةَ. وكَذلك قَرَأ الحَسَنُ، ومُعاذٌ القارِئُ، وأبو مجلَزٍ، وأبو المُتَوَكِّلِ «في الصُّوَرِ» بفَتحِ الواوِ.
قال ثَعلَبٌ: الأجودُ أن يَكونَ الصُّورُ: القَرنُ؛ لأنَّه قال عزَّ وجَلَّ: وَنُفِخَ في الصُّورِ فصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قال: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ولَو كان الصُّوَرُ، كان: ثُمَّ نُفِخَ فيها، أو فيهنَّ، وهذا يَدُلُّ على أنَّه واحِدٌ) .
وقال ابنُ الأثيرِ: (الصُّورُ هو القَرنُ الذي يَنفُخُ فيه إسرافيلُ عليه السَّلامُ عِندَ بَعثِ المَوتى، إلى المَحْشَرِ. وقال بَعضُهم: إنَّ الصُّورَ جَمعُ صورةٍ، يُريدُ صُوَرَ المَوتى يُنفَخُ فيها الأرواحُ. والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ الأحاديثَ تَعاضَدَت عليه؛ تارةً بالصُّورِ، وتارةً بالقَرنِ) .
وقال الألوسيُّ في قَولِه تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر: 68] : (ظاهِرٌ في أنَّ الصُّورَ ليس جَمعَ صُورةٍ، وإلَّا لقالَ سُبحانَه (فيها) بَدَلَ (فيهـ)، وارتِكابُ التَّأويلِ بجَعلِ الكَلامِ من بابِ التَّمثيلِ ظاهِرٌ في إنكارِ أن يَكونَ هناك صُورٌ حَقيقةً، وهو خِلافُ ما نَطَقَت به الأحاديثُ الصِّحاحُ) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه أبو داود (4742)، والترمذي (2430) واللَّفظُ له، وأحمد (6507). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2430)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (818)، وحسَّنه الترمذي، وصحَّح إسنادَه: الحاكم في ((المستدرك)) (3870)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (9/10)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4742)، وذكر ثبوته ابن كثير في ((التفسير)) (5/308).
  2. (2) يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/ 28).           
  3. (3) يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/ 20).
  4. (4) أخرجه أبو داود (4742) واللَّفظُ له، والترمذي (2430)، وأحمد (6507) من حديثِ عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4742)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (818)، وحسَّنه الترمذي، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (3870)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (9/10)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4742)، وذكر ثبوته ابن كثير في ((التفسير)) (5/308).
  5. (5)  يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/ 339).
  6. (6) يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/ 134).
  7. (7) يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/ 44).
  8. (8) يُنظر: ((النهاية)) (3/ 60).
  9. (9) يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (10/ 240).