الموسوعة العقدية

الْمَبحَثُ الثَّامنُ: تَعظيمُ النَّاسِ لكِتابٍ غَيرِ كِتابِ الله

عَن عَبدِ الله بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ الله عَنهما يُحَدِّثُ عَن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مِنِ اقتِرابِ السَّاعةِ أن تُرفَعَ الأشرارُ، وتُوضَعَ الأخيارُ، ويُفتَحَ القَولُ، ويُخزَنَ العَمَلُ، ويُقرَأَ بالقَومِ الْمُثناةُ لَيسَ فيهم أحَدٌ يُنكِرُها))، قيل: وما المُثَناةُ؟ قال: ما اكتُتِبَت سِوى كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ [1910] أخرجه الطبراني (13/635) (14559)، والحاكم (8660) واللَّفظُ له. صحَّح إسنادَه الحاكم، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/329): رجاله رجال الصَّحيح. وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (6/320) بعد ذكره لكلام الهيثمي: لعلَّه عند الطبراني من طريق أخرى غير طريق الكندي هذا، وإلا فالهيثمي واهمٌ في حشره إيَّاه في جملة رجال الصَّحيح. وأخرجه من طريق آخر: الحاكم (8661)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (46/313). صحَّح إسنادَه الحاكم. وأخرجه موقوفًا: الدارمي (476) مُطَولًا، وابن أبي شيبة (38704) باختلافٍ يسيرٍ. قال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (6/320): رفعه بعضهم وأوقفه بعضهم، وهو في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا يقال بمجرد الرأي. .
وقال أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بن سَلَّامٍ: (سَألتُ رَجُلًا مِن أهلِ العِلمِ بالكُتُبِ الأُوَلِ قَد عَرَفَها وقَرَأها عَنِ المثَناةِ، فقال: إنَّ الأحبارَ والرُّهبانَ مِن بني إسرائيل بَعدَ موسى وضَعوا كِتابًا فيما بينَهم على ما أرادوا مِن غَيرِ كِتابِ الله تَبارك وتعالى فسَمَّوه المُثناةَ، كأنَّه يَعني أنَّهم أحَلُّوا فيه ما شاؤوا، وحَرَّموا فيه ما شاؤوا على خِلافِ كِتابِ الله تبارك وتعالى) [1911] يُنظر: ((غريب الحديث)) (4/ 282). .
قال الألبانيُّ: (هذا الحَديثُ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقَد تَحَقَّقَ كُلُّ ما فيه مِنَ الأنباءِ، وبَخاصَّةٍ مِنها ما يَتَعَلَّقُ بـ «المُثناةِ»، وهيَ كُلُّ ما كُتِبَ سِوى كِتابِ الله، كما فسَّره الرَّاوي، وما يَتَعَلَّقُ به مِنَ الأحاديثِ النَّبَويَّةِ والآثارِ السَّلفيَّةِ... وأمَّا ما جاءَ في النِّهايةِ عَقِبَ الحَديثِ وفيه تَفسيرُ «الْمُثناةِ»: "وقيلَ: إنَّ الْمُثناةَ هيَ أخبارُ بني إسرائيل بَعدَ موسى عليه السَّلامُ، وضَعوا كِتابًا فيما بينَهم على ما أرادوا مِن غَيرِ كِتابِ الله، فهو «الْمُثناةُ»، فكَأنَّ ابنَ عَمرٍو كَرِهَ الأخذَ عَن أهلِ الكِتابِ، وقَد كان عِندَه كُتُبٌ وقَعَت إليه يَومَ اليَرموكِ مِنهم. فقال هذا لمَعرِفَتِه بما فيها". قُلتُ: وهذا التَّفسيرُ بَعيدٌ كُلَّ البُعدِ عَن ظاهِرِ الحَديثِ، وأنَّ «الْمُثناةَ» مِن عَلاماتِ اقتِرابِ السَّاعةِ، فلا عَلاقةَ لَها بما فَعلَ اليَهودُ قَبلَ بَعثَتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا جَرمَ أنَّ ابنَ الأثيرِ أشارَ إلى تَضعيفِ هذا التَّفسيرِ بتَصديرِه إيَّاه بصيغةِ «قيلَ»، وأشَدُّ ضِعفًا مِنه ما ذَكرَه عَقِبَه: «قال الجَوهَريُّ: «الْمُثناةُ» هيَ الَّتي تُسَمَّى بالفارِسيَّةِ «دوبيتي»، وهو الغِناءُ») [1912] يُنظر: ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (6/ 774-776). ويُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 225)، ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2294). .

انظر أيضا: