موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: حُكمُ اليأسِ


لا يجوزُ للمُؤمِنِ اليأسُ مِن رَوحِ اللهِ ورَحمَتِه، وقد عَدَّه غَيرُ واحِدٍ مِنَ العُلماءِ مِنَ الكبائِرِ، بل حُكيَ الإجماعُ على ذلك؛ قال ابنُ حَجَرٍ المَكِّيُّ: (عَدُّ هذا كبيرةً هو ما أطبَقوا عليه، وهو ظاهرٌ؛ لِما فيه مِنَ الوعيدِ الشَّديدِ... بل جاءَ عنِ ابنِ مَسعودٍ أنَّه أكبَرُ الكبائِرِ) .
وقد يكونُ اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ كُفرًا، وقد جَعَله القُرطُبيُّ بَعدَ الشِّركِ باللهِ، قال: (لأنَّ فيه تَكذيبَ القُرآنِ؛ إذ يقولُ وقَولُه الحَقُّ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] ، وهو يقولُ: لا يغفِرُ له، فقد حَجَرَ واسِعًا، هذا إذا كان مُعتَقِدًا لذلك؛ ولذلك قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] ) .
أمَّا الإياسُ مِن حُصولِ بَعضِ الأشياءِ فقد قيل: إنَّه جائِزٌ، ولا بَأسَ به. بل استِحضارُ الإياسِ مِن بَعضِ الأشياءِ البَعيدةِ الحُصولِ قد يكونُ راحةً للنَّفسِ مِن تَطلُّبِها.
بل قد يُمدَحُ اليأسُ أحيانًا، ومِن ذلك قَولُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه في خُطبَتِه: (تَعلَمونَ أنَّ الطَّمَعَ فقرٌ، وأنَّ الإياسَ غِنًى، وأنَّه مَن أَيِسَ مِمَّا عِندَ النَّاسِ استَغنى عنهم) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا يجتَمِعُ الإخلاصُ في القَلبِ ومحبَّةُ المَدحِ والثَّناءِ والطَّمَعُ فيما عِندَ النَّاسِ، إلَّا كما يجتَمِعُ الماءُ والنَّارُ، والضَّبُّ والحوتُ، فإذا حَدَّثَتك نَفسُك بطَلَبِ الإخلاصِ فأقبِلْ على الطَّمَعِ أوَّلًا فاذبَحْه بسِكِّينِ اليأسِ) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 149).
  2. (2) ((تفسير القرطبي)) (5/ 160).
  3. (3) رواه ابنُ المبارك في ((الزهد)) (631) واللفظ له، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/50)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (44/357).
  4. (4) ((الفوائد)) (1/149).