موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائِعةٌ


يظُنُّ بَعضُ النَّاسِ أنَّ كُلَّ قَسوةٍ مَنهيٌّ عنها، والصَّوابُ أنَّ وضعَ الشَّيءِ في مَوضِعِه لا يُذَمُّ.
قال مُحَمَّدٌ الغَزاليُّ: (قد تأخُذُ الرَّحمةُ الحَقَّةُ طابَعَ القَسوةِ، وليست كذلك؛ إنَّ الأطفالَ عِندَنا يُساقونَ إلى المَدارِسِ كُرهًا، ويَحفَظونَ الدُّروسَ زَجرًا، ولو تُرِكوا وأهواءَهم لقَتلَهم اللَّهوُ واللَّعِبُ، ولشَبُّوا لا يُحسِنونَ صُنعًا؛ ولِذلك قال الشَّاعِرُ:
فقَسا ليزدَجِروا ومن يَكُ راحِمًا
فلْيَقُسْ أحيانًا على مَن يَرحَمُ
والطَّبيبُ عِندَما يُجري بالجِسمِ جِراحةً يستَخدِمُ مِبضَعةً لتَمزيقِ اللَّحمِ، وقد يُضطَرُّ لتَهشيمِ العِظامِ وبَترِ أعضاءٍ، وما يفعَلُ ذلك إلَّا رَحمةً بالمَريضِ! فليست الرَّحمةُ حَنانًا لا عَقلَ معه، أو شَفَقةً تَتَنَكَّرُ للعَدلِ والنِّظامِ، كَلَّا! إنَّها عاطِفةٌ تَرعى هذه الحُقوقَ جَميعًا، إنَّ مَنظَرَ المشنوقِ وجِسمُه يتأرجَحُ في الهَواءِ وعَيناه تَعشَقانِ الضَّوءَ وتَطلُبانِ النَّجاةَ مَنظَرٌ قد يستَدِرُّ العَطفَ، ولو أُجيبَت هذه العاطِفةُ السَّريعةُ وأُطلِقَ سَراحُ القاتِلِ لامتلأتِ الأرضُ فوضى، والرَّحمةُ الحَقَّةُ في كبتِ هذا الشُّعورِ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 179] .
 إنَّ القَسوةَ التي استَنكَرَها الإسلامُ جَفافٌ في النَّفسِ لا يرتَبِطُ بمَنطِقٍ ولا عَدالةٍ، إنَّها نَزوةٌ فاجِرةٌ تَتَشَبَّعُ مِن الإساءةِ والإيذاءِ، وتَمتَدُّ مع الأثَرةِ المُجَرَّدةِ والهَوَى الأعمَى، أمَّا الرَّحمةُ فهي أثَرٌ مِن الجَمالِ الإلَهيِّ الباقي في طَبائِعِ النَّاسِ يحدوهم إلى البِرِّ، ويُهِبُّ عليهم في الأزَماتِ الخانِقةِ ريحًا بليلةٍ تُرَطِّبُ الحياةَ وتُنعِشُ الصُّدورَ) [5527] ((خلق المسلم)) (ص: 213). .
وكتَبَ أحمَدُ بنُ طُولونَ إلى ابنِه العَبَّاسِ بنِ أحمَدَ حينَ عصى عليه: (قد كَتبتُ إليك يا بُنَيَّ كِتابًا يصِلُ بوُصولِ هذه الرُّقعةِ، وعَظتُك فيه بالعِظاتِ النَّوافِعِ، واحتَجَجتُ عليك فيه بالحُجَجِ البوالِغِ، وذَكَّرتُك بالدُّنيا والدِّينِ، وخَلطتُ لك الغِلظةَ باللِّينِ، أرَدتُ بالغِلظةِ تَسكينَ نِفارِك، وباللِّينِ أن أَثنيَ إليَّ قيادَك، فلا تَحسَبِ الغِلظةَ يا بُنَيَّ دَعَتْني إليها فظاظةٌ، ولا اللِّينَ حَمَلَتْني عليه ضَراعةٌ، وكُنْ على أوثَقِ الثِّقةِ وأصَحِّ المَعرِفةِ بأنَّ قَلبي لك سَليمٌ، وأنَّك عَلَيَّ كريمٌ) [5528] ((التذكرة الحمدونية)) لابن حمدون (4/120). .

انظر أيضا: