سادسًا: المبادرةُ إلى التَّضحيَّةِ في أوَّلِ وَقتِها
يُستحَبُّ المبادرَةُ في ذبْحِ الأضْحِيَّةِ بَعدَ دُخولِ وَقْتِها
[41] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البناية شرح الهداية)) للعيني (12/ 29)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/ 67)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 288)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 9). .
وذلك للآتي:1- ما فيه مِنَ المبادَرةِ إلى الخيرِ، والخُروجِ مِنَ الخِلافِ
[42] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 9). .
2- أنَّ اللهَ جَلَّ شأنُه أضافَ عبادَه في هذه الأيامِ بلُحومِ القَرابينِ، فكانت التَّضحِيَةُ في أوَّلِ الوَقتِ مِن بابِ سُرعةِ الإجابةِ إلى ضيافَةِ اللهِ جَلَّ شأنُه
[43] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/80). .
مَسائِلُ متعلقِّةٌ بوقتِ التَّضحيةِ: بدءُ وَقتِ التَّضحيةِيبدأُ وقتُ الأضْحِيَّةِ بَعدَ صَلاةِ العيدِ
[44] وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّةِ، والحَنابِلةِ، واختارَه الطَّحاويُّ، والشَّوكانيُّ، وابنُ عُثيمين. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (6/ 4)، ((الفروع)) لابن مفلح (6/ 92)، ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (4/ 174)، ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/343)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/459). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:1- عَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال:
((إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ)) [45] رواه البخاري (5560) واللفظ له، ومسلم (1961). .
2- عن جُنْدَبِ بنِ سُفيانَ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((ضَحَّيْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أضْحِيَّةً ذاتَ يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضحاياهم قبلَ الصَّلاةِ، فلمَّا انصَرَفَ رآهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم قد ذبَحوا قبلَ الصَّلاةِ، فقال: من ذَبَحَ قَبلَ الصَّلاةِ فلْيَذْبَحْ مكانَها أخرى، ومَن كان لم يَذْبَحْ حتَّى صَلَّيْنا فلْيَذْبَحْ على اسْمِ اللهِ)) [46] رواه البخاري (5500)، ومسلم (1960). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:قولُه:
((من ذَبَحَ قَبلَ الصَّلاةِ فلْيَذْبَحْ مكانَها أخرى))، دلَّ على أنَّه لا بدَّ أنْ يكونَ الذَّبحُ بعدَ صلاةِ العيدِ
[47] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/459). .
3- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَنْ ذَبَحَ قَبلَ الصَّلاةِ فلْيُعِدْ)) [48] رواه البخاري (5549)، ومسلم (1962). .
وقتُ الأضْحِيَّةِ في غيرِ أهْلِ الأمصارِ:يَبدأُ وقْتُ الأضْحِيَّةِ لِمَن كان بمَحَلٍّ لا تُصلَّى فيها صلاةُ العيدِ كأهلِ البوادي: بَعدَ قَدْرِ فِعْلِ صلاةِ العيدِ بعدَ طلوعِ الشَّمسِ قِيدَ رُمْحٍ
[49] وهذا مذهَبُ الحَنابِلةِ، واختارَه ابنُ عُثيمين. يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/605)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 459). ؛ وذلك لأنَّه لا صلاةَ في حقِّهم تُعتَبَرُ؛ فوَجَب الاعتبارُ بِقَدْرِها
[50] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/9). .
زَمَنُ التَّضحيةِاختلف الفُقَهاءُ في زَمَنِ التَّضحيةِ على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: أيَّامُ التَّضحيةِ ثلاثةٌ: يومُ العيدِ واليومانِ الأوَّلانِ مِن أيَّامِ التَّشريقِ
[51] وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/200)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/273)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/530). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما
((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى أن تُؤكَلَ لُحومُ الأضاحيِّ بَعدَ ثلاثٍ)) [52] رواه البخاري (5574)، ومسلم (1970) واللفظ له. .
وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن أكْلِ لُحومِ الأضاحيِّ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ، ولو كان اليومُ الرَّابعُ يومَ ذبحٍ، لكان الذَّبحُ مشروعًا في وقتٍ يَحرُمُ فيه الأكلُ، ثُمَّ نُسِخَ بعد ذلك تحريمُ الأكلِ، وبَقِيَ وقتُ الذَّبحِ بحالِه
[53] ((المغني)) لابن قُدامة (3/385)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/201). .
ب- من الآثارِوَرَدَ عن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم تخصيصُه بالعيدِ ويومينِ بَعدَه: منهم عُمَرُ، وعَليٌّ، وابنُ عمرَ، وابنُ عبَّاسٍ، وأبو هُرَيرةَ، وأنسٌ، رَضِيَ اللهُ عنهم
[54] قال ابنُ قُدامةَ: (وهذا قَولُ عُمَرَ وعَليٍّ وابنِ عُمَرَ وابنِ عبَّاسٍ وأبي هريرةَ وأنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهم). ((المغني)) (9/ 453). قالوا: ولا يُعرَفُ لهؤلاء مِنَ الصَّحابةِ مخالِفٌ، ومِثلُ هذا لا يُقالُ بالرَّأيِ. يُنظَر: ((المحلى)) لابن حزم (7/ 377، 378 رقم 982)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/ 243). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّه قد ثبت الفَرْقُ بَينَ أيَّامِ النَّحرِ وأيَّامِ التَّشريقِ، ولو كانت أيَّامُ النَّحرِ أيَّامَ التَّشريقِ لَمَا كان بَينَهما فَرْقٌ، وكان ذِكْرُ أحدِ العَدَدينِ يَنوبُ عن الآخَرِ
[55] ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 202). .
القَولُ الثَّاني: يبقَى وَقتُ التَّضْحِيةِ إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ
[56] وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّةِ، وقولٌ للحَنابِلةِ، وهو قَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ، واختارَه ابنُ تيميَّةَ، وابنُ القَيِّمِ، والشَّوكانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثيمين. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (8/387)، ((المغني)) لابن قدامة (3/385)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (5/385)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/319)، ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/343)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/38)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/460). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:عن نُبَيْشةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرٍ للهِ عَزَّ وجَلَّ )) [57] رواه مسلم (1141). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ الثَّلاثةَ الأيَّامِ تختَصُّ بكَونِها أيَّامَ مِنًى، وأيامَ الرَّمْيِ، وأيَّامَ التَّشريقِ، وأيَّامَ تَكبيرٍ وإفطارٍ، ويحرُمُ صيامُها؛ فهى إخْوةٌ في هذه الأحكامِ، فكيف تَفْتَرِقُ في جوازِ الذَّبحِ بغيرِ نَصٍّ ولا إجماعٍ
[58] قال الشَّافعيُّ: (فلمَّا لم يُحظَرْ على النَّاسِ أن ينحَروا بَعدَ يَومِ النَّحرِ بيَومٍ أو يومينِ لم نجِدِ اليومَ الثَّالثَ مفارقًا لليومينِ قَبلَه؛ لأنَّه يُنسَكُ فيه ويُرمَى كما يُنسَكُ ويُرمَى فيهما). ((الأم)) (2/248). ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/555)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/461). ؟!