موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: اجتنابُ الأضاحيِّ المَعيبةِ


يُشْتَرَطُ في الأضْحِيَّةِ السَّلامةُ مِنَ العُيوبِ المانعةِ مِنَ الإجزاءِ، فلا تُجْزِئُ التَّضحيَةُ بالعوراءِ البَيِّنِ عَوَرُها -ومِن بابِ أولى العمياءُ-، ، والمريضَةِ البَيِّنِ مَرَضُها، والعَرْجاءِ البَيِّنِ ضَلَعُها -ومن بابِ أولى مقطوعةُ الرِّجلِ-، ولا التَّضحيةُ بالهزيلةِ التي لا مخَّ لعظمِها.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
عن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سمعْتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -وأشار بأصابِعِه، وأصابعي أقصَرُ مِن أصابِعِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُشيرُ بإِصْبَعِه؛ يقولُ: لا يجوزُ مِنَ الضَّحايا: العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والعَرْجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعَجفاءُ [24] العَجفاءُ: هي المَهْزولةُ مِنَ الغَنَمِ وغَيرِها. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 234)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (5/ 98). التي لا تُنْقِي [25] لا تُنْقي: أي لا نِقْيَ لعظامِها -وهو المخُّ- مِنَ الضَّعفِ والهُزالِ. يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (4/340)، ((مشكلات موطأ مالك بن أنس)) للبطليوسي (ص: 148)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 111)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/198). ). [26] أخرجه أبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي (4371) واللفظ له. صَحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/168)، وابن حبان في ((صحيحهـ)) (5921)، والنووي في ((المجموع)) (8/399)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (26/665)، وقال الترمذيُّ: (حَسَنٌ صحيحٌ).
ب-من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [27] ممَّن نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ قُدامةَ، والنَّوويُّ. قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ العوراءَ البَيِّنَ عَوَرُها، والعمياءَ البَيِّنةَ العَمى، والعرجاءَ البَيِّنةَ العَرَجِ الَّتي لا تُدرِكُ السَّرحَ، والمريضةَ البَيِّنةَ المرَضِ، والعجفاءَ الَّتي لا مُخَّ لها؛ أنَّها لا تُجْزئُ في الأضاحيِّ). ((مراتب الإجماع)) (ص 153). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أمَّا العيوبُ الأربعةُ المذكورةُ في هذا الحديثِ فمجتَمَعٌ عليها، لا أعلَمُ خلافًا بين العُلَماءِ فيها، ومعلومٌ أنَّ ما كان في معناها داخِلٌ فيها، ولا سيما إذا كانت العِلَّةُ فيها أبيَنَ). ((التمهيد)) (20/168). وقال ابنُ رشدٍ: (أجمَع العُلَماءُ على اجتنابِ العَرجاءِ البَيِّنِ عَرَجُها في الضَّحايا، والمريضةِ البَيِّنِ مَرَضُها، والعجفاءِ التي لا تُنقِي). ((بداية المجتهد)) (1/430). وقال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا العيوبُ الأربعةُ الأُوَلُ فلا نعلَمُ بَينَ أهلِ العِلمِ خِلافًا في أنَّها تمنَعُ الإجزاءَ). ((المغني)) (9/441). وقال النَّوويُّ: (أجمعوا على أنَّ العمياءَ لا تُجزئُ، وكذا العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والعَرجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعجفاءُ). ((المجموع)) (8/404). وقال أيضًا: (أجمَعوا على أنَّ العيوبَ الأربعةَ المذكورةَ في حديثِ البراءِ -وهو المَرَضُ، والعَجفُ، والعَوَرُ، والعَرَجُ البَيِّنُ- لا تُجزِئُ التَّضحيةُ بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبَحَ، كالعمى وقَطعِ الرِّجلِ وشِبهِهـ). ((شرح مسلم)) (13/ 120). .
فائِدةٌ:
من العيوب ما دلَّتِ السُّنَّةُ على عَدَمِ إجزائِه، وهي أربعٌ: العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعرجاءُ البَيِّنُ ضَلَعُها، والعجفاءُ التي لا تُنقي، فهذه منصوصٌ على عَدَمِ إجزائِها، ويُقاسُ عليها ما كان مِثْلَها أو أَوْلى منها؛ أمَّا ما كان مثلَها فإنَّه يُقاسُ عليها قياسَ مُساواةٍ، وأما ما كان أَوْلى منها فيُقاسُ عليها قياسَ أولويَّةٍ.
أمَّا العيوبُ التي لم يَرِدِ النَّهيُ عنها، ولكنَّها تنافي كمالَ السَّلامةِ، فهذه لا أثَرَ لها، ولا تُكرَهُ التَّضحيةُ بها ولا تَحْرُمُ، وإن كانت قد تُعَدُّ عندَ النَّاسِ عَيبًا، مِثلُ العوراءِ التي عَوَرُها غيرُ بَيِّنٍ، ومثلُ مَكسورةِ السِّنِّ في غيرِ الثَّنايا، وما أشبَهَ ذلك، ومِثلُ العَرجاءِ عرَجًا يسيرًا، فهذه عيوبٌ، لكنَّها لا تمنَعُ الإجزاءَ، ولا تُوجِبُ الكراهةَ؛ لعَدَمِ وجودِ الدَّليلِ، والأصلُ البراءةُ [28] ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/440). .

انظر أيضا: