موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ ومَسائِلُ:


آدابٌ وضَوابِطُ عامَّةٌ للتَّسميةِ:
قال الماوَرديُّ: (إذا وُلِدَ المَولودُ فإنَّ مِن أوَّلِ كَراماتِه له وبِرِّه به أن يُحَلِّيَه باسِمٍ حَسَنٍ وكُنيةٍ لطيفةٍ شَريفةٍ، فإنَّ للاسمِ الحَسَنِ موقِعًا في النُّفوسِ مَعَ أوَّلِ سَماعِه... واختارَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أسماءَ أولادِه اختيارًا، وآثَرَها إيثارًا...
وإنَّما جِهةُ الاختيارِ لذلك في ثَلاثةِ أشياءَ؛ مِنها: أن يَكونَ الاسمُ مَأخوذًا مِن أسماءِ أهلِ الدِّينِ، مِنَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ وعِبادِ اللهِ الصَّالحينَ، يَنوي بذلك التَّقَرُّبَ إلى اللهِ جَلَّ اسمُه بمَحَبَّتِهم وإحياءِ أساميهم والاقتِداءِ باللهِ جَلَّ اسمُه في اختيارِ تلك الأسماءِ لأوليائِه، وما جاءَ به الدِّينُ، كَما قد رُوِّينا عنه في أنَّ أحَبَّ الأسماءِ إلى اللهِ عَبدُ اللَّهِ وأمثالُه.
ومِنها: أن يَكونَ الاسمُ قَليلَ الحُروفِ، خَفيفًا على الألسُنِ، سَهلًا في اللَّفظِ، سَريعَ التَّمَكُّنِ مِنَ السَّمعِ.
ومِنها: أن يَكونَ حَسَنًا في المَعنى، مُلائِمًا لحالِ المُسَمَّى، جاريًا في أسماءِ أهلِ طَبَقَتِه ومِلَّتِه وأهلِ مَرتَبَتِهـ) [39] ((نصيحة الملوك)) (ص: 166، 167). .
وقال بَكر أبو زَيد: (إنَّ الاسمَ عُنوانُ المُسَمَّى، ودَليلٌ عليه، وضَرورةٌ للتَّفاهمِ مَعَه ومِنه وإليه، وهو للمَولودِ زينةٌ ووِعاءٌ وشِعارٌ يُدعى به في الآخِرةِ والأولى، وتَنويهٌ بالدِّينِ، وإشعارٌ بأنَّه مِن أهلِه -وانظُرْ إلى مَن يَدخُلُ في دينِ اللهِ "الإسلام" كَيف يُغَيِّرُ اسمَه إلى اسمٍ شَرعيٍّ؛ لأنَّه له شِعارٌ-، ثُمَّ هو رَمزٌ يُعَبِّرُ عن هُويَّةِ والدِه، ومِعيارٌ دَقيقٌ لديانَتِه، وهو في طَبائِعِ النَّاسِ له اعتِباراتُه ودَلالاتُه، فهو عِندَهم كالثَّوبِ؛ إن قَصُرَ شانَ، وإن طال شانَ؛ ولهذا صارَ مَن يَملكُ حَقَّ التَّسميةِ "الأبُ" مَأسورًا في قالبِ الشَّريعةِ ولسانِها العَرَبيِّ المُبينِ، حتَّى لا يَجنيَ على مَولودِه باسمٍ يَشينُه.
ومِن أبرَزِ سِماتِه: أن لا يَكونَ في الاسمِ تَشَبُّهٌ بأعداءِ اللهِ، ذلك النَّوعُ مِنَ الاسمِ الذي تَسابَقَ إليه بَعضُ أهلِ مِلَّتِنا؛ نَتيجةَ اتِّصالِ المَشارِقِ بالمَغارِب، أو عَرضٍ إعلاميٍّ فاسِدٍ، على حينِ غَفلةٍ مِن أُناسٍ، وجَهلٍ مِن آخَرينَ، وخَفضِ جَناحٍ وتَراخٍ في القَبضِ على فاضِلِ الأخلاقِ) [40] ((تسمية المولود)) (5، 6). ، ثُمَّ قال في شُروطِ التَّسميةِ وآدابِها: (مِن نُصوصِ السُّنَّةِ -أمرًا ونَهيًا ودَلالةً وإرشادًا، وبمُقتَضى قَواعِدِ الشَّريعةِ وأُصولِها، يَتَبَيَّنُ أنَّ اسمَ المَولودِ يَكتَسِبُ الصِّفةَ الشَّرعيَّةَ مَتى توفَّر فيه هذانِ الشَّرطانِ:
الشَّرطُ الأوَّلُ: أن يَكونَ عَرَبيًّا، فيَخرُجُ به كُلُّ اسمٍ أعجَميٍّ، ومُوَلَّدٍ، ودَخيلٍ على لسانِ العَرَبِ.
الشَّرطُ الثَّاني: أن يَكونَ حَسَنَ المَبنى والمَعنى لُغةً وشَرعًا، ويَخرُجُ بهذا كُلُّ اسمٍ مُحَرَّمٍ أو مَكروهٍ؛ إمَّا في لفظِه أو مَعناه أو فيهما كِليهما، وإن كان جاريًا في نِظامِ العَرَبيَّةِ، كالتَّسَمِّي بما مَعناه التَّزكيةُ، أوِ المَذَمَّةُ، أوِ السَّبُّ، بَل يُسَمَّى بما كان صِدقًا وحَقًّا...
وللأسماءِ أيضًا جُملةُ آدابٍ يَحسُنُ أخذُها بالاعتِبارِ ما أمكَنَ:
1-الحِرصُ على اختيارِ الاسمِ الأحَبِّ فالمَحبوبِ.
2-مُراعاةُ قِلَّةِ حُروفِ الاسمِ ما أمكَنَ.
3- مُراعاةُ خِفَّةِ النُّطقِ به على الألسُنِ.
4- مُراعاةُ التَّسميةِ بما يَسرُعُ تَمَكُّنُه مِن سَمعِ السَّامِعِ.
ه- مُراعاةُ المُلاءمةِ، فلا يَكونُ الاسمُ خارِجًا عن أسماءِ أهلِ طَبَقَتِه ومِلَّتِه وأهلِ مَرتَبَتِه.
وهذا أدَبٌ مُهِمٌّ رَفيعٌ، وإحساسٌ مُرهَفٌ لطيفٌ... وهذا بمَعنى ما تقدَّم: أنَّ الاسمَ كالثَّوبِ؛ إن قَصُرَ شانَ، وإن طال شانَ.
فمُراعاةُ أسماءِ أهلِ طَبَقَتِه وقَبيلتِه رَبطٌ أُسَريٌّ، والتِحامٌ عائِليٌّ.
ومُراعاةُ أسماءِ أهلِ مِلَّتِه رَبطٌ دينيٌّ عَقَديٌّ.
ومُراعاةُ أسماءِ أهلِ مَرتَبَتِه رَبطٌ أدَبيٌّ، بإنزالِ المَرءِ نَفسَه مَنزِلَها؛ حتَّى لا يُتَنَدَّرَ بهـ) [41] ((تسمية المولود)) (39-44). .
التَّسميةُ بالأسماءِ المُضافةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ
يُستَحسَنُ أن يُسَمَّى المَولودُ بالأسماءِ المُضافةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، كَعَبدِ اللهِ وعَبدِ الرَّحمَنِ وما أشبَهَ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ:
عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أحَبَّ أسمائِكُم إلى اللهِ: عَبدُ اللهِ، وعَبدُ الرَّحمَنِ)) [42] أخرجه مسلم (2132). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [43] قال ابنُ حَزمٍ: (واتَّفَقوا على استِحسانِ الأسماءِ المُضافةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، كعَبدِ الرَّحمَنِ وما أشبَهَ ذلك). ((مراتب الإجماع)) (ص: 154). .
كَراهةُ التَّسميةِ بالأسماءِ القَبيحةِ
تُكرَهُ التَّسميةُ بكُلِّ اسمٍ قَبيحٍ [44] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/418)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/391)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (4/294)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/26). قال ابنُ حَجَرٍ: (قال الطَّبَريُّ: لا تَنبَغي التَّسميةُ باسِمٍ قَبيحِ المَعنى، ولا باسِمٍ يَقتَضي التَّزكيةَ له، ولا باسِمٍ مَعناه السَّبُّ، قُلتُ: الثَّالِثُ أخَصُّ مِنَ الأوَّلِ، قال: ولو كانتِ الأسماءُ إنَّما هيَ أعلامٌ للأشخاصِ لا يُقصَدُ بها حَقيقةُ الصِّفةِ، لكِنَّ وَجهَ الكَراهةِ أن يَسمَعَ سامِعٌ بالاسمِ، فيَظُنَّ أنَّه صِفةٌ للمُسَمَّى؛ فلذلك كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحَوِّلُ الاسمَ إلى ما إذا دُعيَ به صاحِبُه كان صِدقًا، قال: وقد غَيَّرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِدَّةَ أسماءٍ، وليسَ ما غَيَّرَ مِن ذلك على وَجهِ المَنعِ مِنَ التَّسَمِّي بها، بَل على وَجهِ الاختيارِ، قال: ومِن ثَمَّ أجازَ المُسلمونَ أن يُسَمَّى الرَّجُلُ القَبيحُ بحَسَنٍ، والفاسِدُ بصالحٍ، ويَدُلُّ عليه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُلزِمْ حَزْنًا لَمَّا امتَنَعَ مِن تَحويلِ اسمِه إلى سَهلٍ بذلك، ولو كان ذلك لازِمًا لما أقَرَّه على قَولِه: لا أُغَيِّرُ اسمًا سَمَّانيه أبي. انتَهى مُلخَّصًا). ((فتح الباري)) (10/ 577). ويُنظر: ((تهذيب الآثار- مسند عمر)) للطبري (1/ 283-288). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَيَّرَ اسمَ عاصيةَ، وقال: ((أنتِ جَميلةُ)) [45] رواه مسلم (2139). .
2- عنِ المُسَيِّبِ بنِ حَزْنٍ، أنَّ أباه جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((ما اسمُك؟ قال: حَزْنٌ [46] الحَزْنُ: ما غَلُظ مِنَ الأرضِ، ويُقالُ: في خُلُقِ فُلانٍ حُزونةٌ: أي: غِلظةٌ وقَساوةٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 74). ، قال: أنتَ سَهلٌ، قال: لا أُغَيِّرُ اسمًا سَمَّانيه أبي. قال ابنُ المُسَيِّبِ: فما زالتِ الحُزونةُ فينا بَعدُ)) [47] رواه البخاري (6190). .
كَراهةُ التَّسميةِ بما فيه تَزكيةٌ
تُكرَهُ التَّسميةُ بما فيه تَزكيةٌ [48] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/418)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/391)، ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) للهيتمي (9/374)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/26). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ زَينَبَ كان اسمُها بَرَّةَ، فقيل: تُزَكِّي نَفسَها، فسَمَّاها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زَينَبَ)) [49] رواه البخاري (6192)، ومسلم (2141). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
 يُؤخَذُ مِنَ الحَديثِ كَراهةُ التَّسَمِّي بما فيه تَزكيةٌ [50] قال عِياضٌ: (فقد بَيَّنَ في هَذَين الحَديثَينِ عِلَّةَ تَغييرِ هَذَين الاسمَينِ وما في مَعناهما مِنَ التَّزكيةِ). ((إكمال المُعلم)) (7/15). وقال ابنُ عُثيمين: (ما كان عَلَمًا مُجَرَّدًا لا يُفهَمُ مِنه التَّزكيةُ فهذا لا بَأسَ به؛ ولهذا نُسَمِّي بصالحٍ وعليٍّ وما أشبَهَهما مِنَ الأعلامِ المُجَرَّدةِ التي لا تَحمِلُ مَعنى التَّزكيةِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/255). .
حُرمةُ التَّسميةِ بما عُبِّدَ لغَيرِ اللهِ
يَحرُمُ مِنَ الأسماءِ ما يُعَبَّدُ لغَيرِ اللهِ، كَعَبدِ الكَعبةِ، أو عَبدِ النَّبيِّ، أو عَبدِ الرَّسولِ، أو عَبدِ الحُسَينِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الإجماعِ:
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [51] قال ابنُ حَزمٍ: (واتَّفَقوا على تَحريمِ كُلِّ اسمٍ مُعَبَّدٍ لغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، كعَبدِ العُزَّى وعَبدِ هُبَلَ وعَبدِ عَمرٍو وعَبدِ الكَعبةِ، وما أشبَهَ ذلك، حاشا عَبدَ المُطَّلِبِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 154). ويُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 113)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (10/890). .
حُرمةُ التَّسميةِ بمَلِكِ المُلوكِ، وسُلطانِ السَّلاطينِ، وشاهِنْشاه
تَحرُمُ التَّسميةُ بمَلِكِ المُلوكِ، وسُلطانِ السَّلاطينِ، وشاهِنْشاه [52] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/150)، ((مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل)) للحطاب (4/391)، ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) للهيتمي (9/373)، ((شرح منتهى الإرادات )) للبهوتي (1/615). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ أخنَعَ [53] أخنَعُ الأسماءِ: أي: أذَلُّ الأسماءِ عِندَ اللهِ. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/354)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (6/313). اسمٍ عِندَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأملاكِ)) قال سُفيانُ -راوي الحَديثِ-: ((مِثلُ شاهانْ شاهْ)) وفي رِوايَتِه: ((لا مالِكَ إلَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ)) [54] أخرجه البخاري (6205)، ومسلم (2143) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ نَصٌّ في تَحريمِ التَّسَمِّي بهذه الأسماءِ [55] قال ابنُ حَجَرٍ: (واستُدِلَّ بهذا الحَديثِ على تَحريمِ التَّسَمِّي بهذا الاسمِ؛ لوُرودِ الوعيدِ الشَّديدِ). ((فتح الباري)) (10/590). .
تَصنيفُ الأسماءِ المَكروهةِ:
قال بَكر أبو زَيد: (يُمكِنُ تَصنيفُها على ما يَلي:
1- تُكرَهُ التَّسميةُ بما تَنفِرُ مِنه القُلوبُ؛ لمَعانيها، أو ألفاظِها، أو لأحَدِهما؛ لِما تُثيرُه مِن سُخريةٍ وإحراجٍ لأصحابِها، وتَأثيرٍ عليهم، فضلًا عن مُخالفةِ هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَحسينِ الأسماءِ.
2- ويُكرَهُ التَّسَمِّي بأسماءٍ فيها مَعانٍ رِخوةٌ شَهوانيَّةٌ، وهذا في تَسميةِ البَناتِ كَثيرٌ.
3- ويُكرَهُ تَعَمُّدُ التَّسَمِّي بأسماءِ الفُسَّاقِ الماجِنينَ مِنَ المُمَثِّلينَ والمُطرِبينَ وعُمَّارِ خَشَباتِ المَسارِحِ باللَّهوِ الباطِلِ.
ومِن ظَواهرِ فراغِ بَعضِ النُّفوسِ مِن عِزَّةِ الإيمانِ أنَّهم إذا رَأوا مَسرَحيَّةً فيها نِسوةٌ خَليعاتٌ سارَعوا مُتَهافِتينَ إلى تَسميةِ مَواليدِهم عليها، ومَن رَأى سِجِلَّاتِ المَواليدِ التي تُزامِنُ العَرضَ شاهَدَ مِصداقيَّةَ ذلك، فإلى اللهِ الشَّكوى!
4- ويُكرَهُ التَّسميةُ بأسماءٍ فيها مَعانٍ تَدُلُّ على الإثمِ والمَعصيةِ؛ كمِثلِ "ظالم بن سراق"، فقد ورَدَ أنَّ عُثمانَ بنَ أبي العاصِ امتَنَعَ عن تَوليةِ صاحِبِ هذا الاسمِ لمَّا عَلمَ أنَّ اسمَه هَكَذا [56] يُنظر: ((المعرفة والتاريخ)) ليعقوب بن سفيان (3/ 200، 201). .
ه- وتُكرَهُ التَّسميةُ بأسماءِ الفراعِنةِ والجَبابرةِ، ومِنها: فِرعَونُ، قارونُ، هامانُ...
6- ومِنه التَّسميةُ بأسماءٍ فيها مَعانٍ غَيرُ مَرغوبةٍ، مِثلُ: "خَبيَّة بن كَنَّازٍ"؛ فقد ورَدَ أنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه قال عنه: "لا حاجةَ لنا فيه؛ هو يُخَبِّئُ، وأبوه يَكنِزُ" [57] يُنظر: ((المؤتلف والمختلف)) للدارقطني (2/ 874) و (4/ 1965). !
7- ويُكرَهُ التَّسَمِّي بأسماءِ الحَيَواناتِ المَشهورةِ بالصِّفاتِ المُستَهجَنةِ، ومِنها التَّسميةُ بما يَلي: حَنَش، حِمار، قُنفُذ، قُنَيفِذ، قِردانِ، كَلب، كُلَيب.
والعَرَبُ حينَ سَمَّت أولادَها بهذه؛ فإنَّما لِما لحِظَته مِن مَعنًى حَسَنٍ مُرادٍ: فالكَلبُ لِما فيه مِنَ اليَقَظةِ والكَسبِ، والحِمارُ لِما فيه مِنَ الصَّبرِ والجَلَدِ، وهَكَذا... وبهذا بَطَل غَمزُ الشُّعوبيَّةِ للعَرَبِ كَما أوضَحَه ابنُ دُرَيدٍ وابنُ فارِسٍ وغَيرُهما.
8- وتُكرَهُ التَّسميةُ بكُلِّ اسمٍ مُضافٍ مِنِ اسمٍ أو مَصدَرٍ أو صِفةٍ مُشَبَّهةٍ مُضافةٍ إلى لفظِ "الدِّين" ولفظِ "الإسلامِ"، مِثلُ نور الدِّينِ، ضياءِ الدِّينِ، سَيفِ الإسلامِ، نورِ الإسلامِ... وذلك لعَظيمِ مَنزِلةِ هَذَينِ اللَّفظَينِ "الدِّينِ" و"الإسلامِ"، فالإضافةُ إليهما على وَجهِ التَّسميةِ فيها دَعوى فجَّةٌ تُطِلُّ على الكَذِبِ؛ ولهذا نَصَّ بَعضُ العُلماءِ على التَّحريمِ، والأكثَرُ على الكَراهةِ؛ لأنَّ مِنها ما يوهمُ مَعانيَ غَيرَ صحيحةٍ مِمَّا لا يَجوزُ إطلاقُه، وكانت في أوَّلِ حُدوثِها ألقابًا زائِدةً عنِ الاسمِ، ثُمَّ استُعمِلَت أسماءً.
وقد يَكونُ الاسمُ مِن هذه الأسماءِ مَنهيًّا عنه مِن جِهَتَينِ، مِثلُ: شِهابِ الدِّينِ؛ فإنَّ الشِّهابَ الشُّعلةُ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ إضافةُ ذلك إلى الدِّينِ، وقد بَلَغَ الحالُ في إندونيسيا التَّسميةَ بنَحوِ: ذَهَبِ الدِّينِ، ماسِ الدِّينِ!
وكان النَّوَويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى يَكرَهُ تَلقيبَه بمُحيي الدِّينِ، وشَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رَحِمَه اللهُ تعالى يَكرَهُ تَلقيبَه بتَقيِّ الدِّينِ، ويَقولُ: "لكِنَّ أهلي لقَّبوني بذلك فاشتَهَرَ".
9-وتُكرَهُ التَّسميةُ بالأسماءِ المُرَكَّبةِ، مِثلُ: مُحَمَّد أحمَد، مُحَمَّد سَعيد؛ فأحمَد مَثَلًا هو الاسمُ، ومُحَمَّد للتَّبَرُّكِ... وهَكَذا، وهيَ مَدعاةٌ إلى الاشتِباهِ والالتِباسِ؛ ولذا لم تَكُنْ مَعروفةً في هَديِ السَّلَفِ، وهيَ مِن تَسمياتِ القُرونِ المُتَأخِّرةِ.
ويُلحَقُ بها المُضافةُ إلى لفظِ الجَلالةِ "اللَّه"، مِثلُ: حَسَبِ اللهِ، رَحمةِ اللهِ، جَبرةِ اللَّهِ، حاشا: عبدِ اللهِ؛ فهو مِن أحَبِّ الأسماءِ إلى اللهِ.
أوِ المُضافةُ إلى لفظِ الرَّسولِ، مِثلُ: حَسَبِ الرَّسولِ، وغُلامِ الرَّسولِ.
10- وكَرِهَ جَماعةٌ مِنَ العُلماءِ التَّسَمِّيَ بأسماءِ المَلائِكةِ عليهمُ السَّلامُ، مِثلُ: جِبرائيلَ، ميكائيلَ، إسرافيلَ.
أمَّا تَسميةُ النِّساءِ بأسماءِ المَلائِكةِ فظاهِرُ الحُرمةِ؛ لأنَّ فيها مُضاهاةً للمُشرِكينَ في جَعلهمُ المَلائِكةَ بَناتِ اللَّهِ، تعالى اللَّهُ عن قَولِهم.
وقَريبٌ مِن هذا تَسميةُ البنتِ: مَلاك، مَلكة.
11-وكَرِهَ جَماعةٌ مِنَ العُلماءِ التَّسميةَ بأسماءِ سورِ القُرآنِ الكَريمِ [58] قال ابنُ القَيِّمِ: (ومِمَّا يُمنَعُ مِنه التَّسميةُ بأسماءِ القُرآنِ وسُوَرِه، مِثلُ: طه ويس وحم، وقد نَصَّ مالِكٌ على كَراهةِ التَّسميةِ بـ "يس"، ذَكَرَه السُّهَيليُّ. وأمَّا ما يَذكُرُه العَوامُّ أنَّ يس وطه مِن أسماءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فغَيرُ صحيحٍ، ليسَ ذلك في حَديثٍ صحيحٍ ولا حَسَنٍ ولا مُرسَلٍ، ولا أثَرٍ عن صاحِبٍ، وإنَّما هذه الحُروفُ مِثلُ الم وحم والر ونَحوِها). ((تحفة المودود بأحكام المولود)) (ص: 127). ويُنظر: ((الروض الأنف)) للسهيلي (3/ 183). ، مَثلُ: طَه، يس، حم...) [59] ((تسمية المولود)) (ص: 51-58). ويُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 113-129). .
تَحويلُ الأسماءِ المَكروهةِ
يُستَحَبُّ تَحويلُ الأسماءِ إلى ما هو أحسَنُ وأَولى [60] قال أبو داود في كِتاب الأدَب مِن "سُنَنه" (4/ 288): (بابٌ في تَغييرِ الاسمِ القَبيحِ)، ثُمَّ رَوى عِدَّةَ أحاديثَ، ثُمَّ قال: (وغَيَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اسمَ العاصِ، وعزيز، وعَتَلة، وشَيطان، والحَكَم، وغُراب، وحُباب، وشِهاب، فسَمَّاه هِشامًا، وسَمَّى حَربًا: سِلمًا، وسَمَّى المُضطَّجِعَ: المُنبَعِثَ، وأرضًا تُسَمَّى عَفِرةَ سَمَّاها خَضِرة، وشِعبُ الضَّلالةِ سَمَّاه شِعبَ الهدى، وبَنو الزِّنيةِ سَمَّاهم بَني الرِّشدةِ، وسَمَّى بني مُغْويةَ بَني رِشدةَ. قال أبو داودَ: تَرَكتُ أسانيدَها للاختِصارِ). ((سنن أبي داود)) (4/ 289). ويُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 127، 128)، ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 16)، ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 129-134)، ((إمتاع الأسماع)) للمقريزي (2/ 272). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُتبةَ بنِ عَبدٍ السُّلَميِّ ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أتاه الرَّجُلُ وله الاسمُ لا يُحِبُّه حَوَّلَهـ)) [61] أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (1365)، والطبراني (17/119) (293)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (5352). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (4641)، وقوَّى إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (12/342). .
قال المُناويُّ: («كان إذا أتاه الرَّجُلُ» يَعني الإنسانَ؛ فقد وقَعَ له تَغييرُ أسماءِ عِدَّةِ نِساءٍ [62] عن أبي هرَيرةَ ((أنَّ زَينَبَ كان اسمُها بَرَّةَ، فقيل: تُزَكِّي نَفسَها، فسَمَّاها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زَينَبَ)). أخرجه البخاري (6192)، ومسلم (2141). وعن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَيَّرَ اسمَ عاصيةَ، وقال: أنتِ جَميلةُ)). أخرجه مسلم (2139). «وله اسمٌ لا يُحِبُّه» لكَراهةِ لفظِه أو مَعناه عَقلًا أو شَرعًا «حَوَّله» بالتَّشديدِ، أي: نَقَله إلى ما يُحِبُّه؛ لأنَّه كان يُحِبُّ الفألَ الحَسَنَ، وكان شَديدَ الاعتِناءِ بالعُدولِ عنِ اسمٍ تَستَقبحُه العُقولُ وتَنفِرُ مِنه النُّفوسُ، وكَذا ما فيه تَزكيةُ النَّفسِ، وفي أبي داودَ: «لا تُزَكُّوا أنفُسَكُم، هو اللهُ أعلمُ بأهلِ البرِّ مِنكُم» [63] أخرجه أبو داود (4953) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُه: عن مُحَمَّدِ بنِ عَمرِو بنِ عَطاءٍ (أنَّ زَينَبَ بنتَ أبي سَلَمةَ سَألته: ما سمَّيتَ ابنَتَك؟ قال: سَمَّيتُها بَرَّةَ، فقالت: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن هذا الاسمِ، سُمِّيتُ بَرَّةَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُزَكُّوا أنفُسَكُم، اللَّهُ أعلمُ بأهلِ البرِّ مِنكُم، فقال: ما نُسَمِّيها؟ فقال: سَمُّوها زَينَبَ). وأخرجه مسلم (2142) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُه: عن مُحَمَّدِ بنِ عَمرِو بنِ عَطاءٍ، قال: (سمَّيتُ ابنَتي بَرَّةَ. فقالت لي زَينَبُ بنتُ أبي سَلَمةَ: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن هذا الاسمِ، وسُمِّيتُ بَرَّةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُزَكُّوا أنفُسَكُم، اللَّهُ أعلمُ بأهلِ البرِّ مِنكُم. فقالوا: بمَ نُسَمِّيها؟ قال: سَمُّوها زَينَبَ). [64] ((فيض القدير)) (5/ 87، 88). .
2- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَيَّرَ اسمَ عاصيةَ، وقال: ((أنتِ جَميلةُ)) [65] رواه مسلم (2139). .
3- عنِ المُسَيِّبِ بنِ حَزْنٍ، أنَّ أباه جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((ما اسمُك؟ قال: حَزْنٌ [66] الحَزْنُ: ما غَلُظَ مِنَ الأرضِ، ويُقالُ: في خُلُقِ فُلانٍ حُزونةٌ: أي: غِلظةٌ وقَساوةٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 74). ، قال: أنتَ سَهلٌ، قال: لا أُغَيِّرُ اسمًا سَمَّانيه أبي. قال ابنُ المُسَيِّبِ: فما زالتِ الحُزونةُ فينا بَعدُ)) [67] رواه البخاري (6190). .
وفي رِوايةٍ عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن أبيه، عن جَدِّه، ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ما اسمُك؟ قال: حَزْنٌ، قال: أنتَ سَهلٌ، قال: لا، السَّهلُ يوطَأُ ويُمتَهَنُ! قال سَعيدٌ: فظَنَنتُ أنَّه سَيُصيبُنا بَعدَه حُزونةٌ)) [68] أخرجها أبو داود (4956). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4956)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4956). .
4- عن بَشيرِ بنِ مَيمونٍ، عن عَمِّه أُسامةَ بنِ أخَدريٍّ ((أنَّ رَجُلًا يُقالُ له أصرَمُ كان في النَّفرِ الذينَ أتَوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما اسمُك؟ قال: أنا أصرَمُ، قال: بَل أنتَ زُرعةُ)) [69] أخرجه أبو داود (4954) واللفظ له، والطبراني (1/196) (525)، والحاكم (7938). حَسَّنه الوادِعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (15)، وصَحَّحَ إسناده الحاكم، وجوَّده الألبانيُّ في ((هداية الرواة)) (4701)، وحَسَّنه النوويُّ في ((الأذكار)) (367)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4954). .
قال الخَطَّابيُّ: (إنَّما غَيَّر اسمَ الأصرَمِ لِما فيه مِن مَعنى الصَّرمِ، وهو القَطيعةُ، يُقالُ: صَرَمتُ الحَبلَ: إذا قَطَعتَه، وصَرَمتُ النَّخلةَ: إذا جَذَذتَ ثَمَرَها) [70] ((معالم السنن)) (4/ 127). .
5-عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: جاءت عجوزٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو عندي، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من أنتِ؟ قالت: أنا جثَّامةُ المُزَنيَّةُ، فقال: بل أنتِ حسَّانةُ المُزَنيَّةُ. كيف أنتم؟ كيف حالُكم؟ كيف كُنتُم بَعدَنا؟ قالت: بخيرٍ، بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ! فلمَّا خرجَت قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، تُقبِلُ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ؟! فقال: إنَّها كانت تأتينا زَمَنَ خديجةَ، وإنَّ حُسنَ العَهدِ من الإيمانِ)) [71] أخرجه ابنُ الأعرابيِّ في ((المعجم)) (774)، والحاكم (40) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8701). صَحَّحه الحاكِمُ، وقال: على شَرطِ الشَّيخَينِ، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/ 424). .
يَومُ تَسميةِ المَولودِ:
يُستَحَبُّ تَسميةُ المَولودِ في يَومِ السَّابعِ مِن وِلادَتِه، ويَجوزُ قَبلَ ذلك [72] وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (2/492)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/294)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/25). ومِنَ العُلماءِ مَن قال بالاستِحبابِ في يَومِ وِلادَتِه وفي اليَومِ السَّابعِ، قال النَّوويُّ: (السُّنَّةُ أن يُسَمَّى المَولودُ في اليَومِ السَّابعِ مِن وِلادَتِه أو يَوم الوِلادةِ. فأمَّا استِحبابُه يَومَ السَّابعِ فلِما رُوِّيناه في كِتابِ الترمذيِّ عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بتَسميةِ المَولودِ يَومَ سابعِه، ووضعِ الأذى عنه، والعَقِّ..."، ورُوِّينا في سُنَنِ أبي داود والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وابنِ ماجَه وغَيرِهما بالأسانيدِ الصَّحيحةِ عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "كُلُّ غُلامٍ رَهينةٌ بعَقيقَتِه تُذبَحُ عنه يَومَ سابعِه، ويُحلقُ، ويُسَمَّى". وأمَّا يَومُ الوِلادةِ فلِما رُوِّيناه في البابِ المُتَقدِّمِ من حديثِ أبي موسى، ورُوِّينا في صحيحِ مُسلمٍ وغَيرِه عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وُلدَ لي اللَّيلةَ غُلامٌ، فسَمَّيتُه باسِمِ أبي إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، ورُوِّينا في «صحيحَيِ البخاريِّ ومسلمٍ» عن أنَسٍ، قال: "وُلدَ لأبي طَلحةَ غُلامٌ، فأتَيتُ به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَنَّكَه، وسَمَّاه عَبدَ اللهِ"). ((الأذكار)) (ص: 286). وقال ابنُ حَجَرٍ: (مَن لم يُرَدْ أن يُعَقَّ عنه لا تُؤَخَّرُ تَسميَتُه إلى السَّابعِ، كَما وقَعَ في قِصَّةِ إبراهيمَ بنِ أبي موسى وعَبدِ اللهِ بنِ أبي طَلحةَ، وكذلك إبراهيمُ ابنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ؛ فإنَّه لم يُنقَلْ أنَّه عُقَّ عن أحَدٍ مِنهم. ومَن أُريدَ أن يُعَقَّ عنه تُؤَخَّرُ تَسميَتُه إلى السَّابعِ كَما سَيَأتي في الأحاديثِ الأُخرى. وهو جَمعٌ لطيفٌ لم أرَه لغَيرِ البخاريِّ). ((فتح الباري)) (9/588). وقال العِراقيُّ: (قال محمَّدُ بنُ سِيرينَ وقَتادةُ والأَوزاعيُّ: إذا وُلِد وقد تَمَّ خلْقُه سُمِّي في الوقتِ إنْ شاؤُوا. وقال ابنُ المُنذِرِ: تسميتُه يومَ السَّابعِ حسَنٌ، ومتى شاء سَمَّاهُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "وُلِد ليَ اللَّيلةَ غُلامٌ فسمَّيْتُه باسمِ أبي إبراهيمَ". وسَمَّى الغلامَ الذي جاء به أنسٌ لَمَّا حَنَّكَه: عبدَ اللهِ. قُلْتُ: ظاهرُ هذا الحديثِ أنَّ ذلك عَقِبَ وِلادتِه، لكنْ في روايةٍ أنَّه إنَّما جِيءَ به إليه يومَ السَّابعِ، رواها أبو يَعْلَى. وقال ابنُ حَزْمٍ: يُسمَّى يومَ وِلادتِه، فإنْ أُخِّرَتْ تسميتُه إلى السَّابعِ فحَسَنٌ. وقال ابنُ المُهَلَّبِ: يَجوزُ تسميتُه حين يولَدُ وبعدَه، إلَّا أنْ يَنويَ العَقيقةَ عنه يومَ سابِعِه فالسُّنَّةُ تأخيرُها إلى السَّابعِ). ((طرح التثريب)) (5/182). وقال ابنُ بازٍ: (ويُحلَقُ رأسُ الطِّفلِ الذَّكرِ ويُسمَّى، وإنْ سُمِّيَ عندَ وِلادتِه فلا بأسَ؛ فقد سَمَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ أولادِ الأنصارِ يومَ الوِلادةِ، وسَمَّى ابنَه إبراهيمَ يومَ الوِلادةِ. وإنْ سُمِّيَ يومَ السَّابعِ فذلك كلُّه سُنَّةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (18/209). وقال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا التَّسميةُ فإنْ كان الاسمُ قد أُعِدَّ مِن قَبلِ الوِلادةِ فلْتَكُنِ التَّسميةُ عندَ الوِلادةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَل على أهلِه ذاتَ يومٍ، وقال: "وُلِد ليَ اللَّيلةَ وَلَدٌ، وسَمَّيتُه إبراهيمَ". وإنْ كانتِ التَّسميةُ لم تُعَدَّ فلْتَكُنْ في اليومِ السَّابعِ عندَ ذبْحِ العَقيقةِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/232). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كُلُّ غُلامٍ رَهينةٌ بعَقيقَتِه، تُذبَحُ عنه يَومَ سابعِه، ويُحلَقُ، ويُسَمَّى)) [73] أخرجه مِن طُرُقٍ: أبو داود (2838) واللَّفظُ له، والترمذي (1522)، والنسائي (4220). صَحَّحه البخاري كما في ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/14)، والبزار في ((البحر الزخار)) (1/401)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/333)، وقال الترمذي: حَسَنٌ صحيحٌ. .
2- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وُلِدَ ليَ اللَّيلةَ غُلامٌ، فسَمَّيتُه باسِمِ أبي إبراهيمَ)) [74] أخرجه مسلم (2315). .

انظر أيضا: