موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: حُسَنُ تَسميةِ الأولادِ:


يَنبَغي للوالدِ أن يَختارَ لابنِه اسمًا حَسَنًا، ويَجتَنِبَ أن يُسَمِّيَه بما يَشينُه أو يُعَيَّرُ به، أو يَكونُ مُشتَمِلًا على مَحظورٍ أو مَعنًى غَيرِ حَسَنٍ [25] قال البَغويُّ: (يَنبَغي للإنسانِ أن يَختارَ لوَلَدِه وخَدَمِه الأسماءَ الحَسَنةَ؛ فإنَّ الأسماءَ المَكروهةَ قد توافِقُ القَدَرَ، رُويَ عن يَحيى بنِ سَعيدٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قال لرَجُلٍ: ما اسمُك؟ قال: جَمرةُ، قال: ابنُ مَن؟ قال: ابنُ شِهابٍ، قال: مِمَّن، قال: مِنَ الحُرَقةِ، قال: أينَ مَسكَنُك؟ قال: بحَرَّةِ النَّارِ، قال: بأيِّها؟ قال: بذاتِ لظى، فقال عُمَرُ: أدرِكْ أهلَك؛ فقدِ احتَرَقوا! فكان كَما قال رَضِيَ اللهُ عنهـ). ((شرح السنة)) (12/ 177). وقال المظهَريُّ: (قال مُحيي السُّنَّةِ في "شَرح السُّنَّةِ" في شَرحِ هذا الحَديثِ: يَنبَغي للإنسانِ أن يَختارَ لولدِه وخَدَمِه الأسماءَ الحَسَنةَ؛ فإنَّ الأسماءَ المَكروهةَ قد توافِقُ القَدَرَ، يَعني: لو سَمَّى أحَدٌ ابنَه بـ "خَسار" فرُبَّما جَرى قَضاءُ اللَّهِ بأن يَلحَقَ خَسار ذلك المُسَمَّى بـ "خَسار"، فلمَّا لحِقَه ذلك الخَسارُ المُقدَّرُ يَعتَقِدُ بَعضُ النَّاسِ أنَّ لُحوقَ ذلك الخَسارِ بسَبَبِ اسمِه، فيَتَشاءَمُ النَّاسُ به، فيَحتَرِزونَ مُجالسَتَه ومواصَلَتَه، ويَصيرُ مَعروفًا بالشُّؤمِ. فلا يَنبَغي لأحَدٍ أن يُسَمِّيَ ابنَه أو غَيرَه باسمٍ يَصيرُ بسَبَبِ ذلك الاسمِ مَبغوضًا مشؤومًا بَينَ النَّاسِ، وكَراهيةُ رَسولِ اللهِ الاسمَ القَبيحَ لأجلِ هذا؛ فإنَّ الاسمَ الحَسَنَ مَحبوبٌ في طِباعِ النَّاسِ، والاسمَ المَكروهَ مَبغوضٌ في طِباعِ النَّاسِ، فاختيارُ المَحبوبِ على المَبغوضِ مِن غايةِ كَمالِ عَقلِ الإنسانِ). ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (5/ 94، 95). ويُنظر: ((تحفة المودود بأحكام المولود)) لابن القيم (ص: 122). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((وُلدَ لرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ فسَمَّاه القاسِمَ، فقُلنا: لا نُكَنِّيك أبا القاسِمِ، ولا كَرامةَ! فأخبَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: سَمِّ ابنَك عَبدَ الرَّحمَنِ)) [26] أخرجه البخاري (6186) واللفظ له، ومسلم (2133). .
2- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان ابنٌ لأبي طَلَحةَ يَشتَكي، فخَرَجَ أبو طَلحةَ، فقُبِضَ الصَّبيُّ، فلمَّا رَجَعَ أبو طَلحةَ قال: ما فعَل ابني؟ قالت أمُّ سُلَيمٍ: هو أسكَنُ ما كان، فقَرَّبَت إليه العَشاءَ فتَعَشَّى، ثُمَّ أصابَ مِنها، فلمَّا فرَغَ قالت: وارُوا الصَّبيَّ! فلمَّا أصبَحَ أبو طَلحةَ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرَه، فقال: أعْرَستُم [27] أعْرَستُمُ اللَّيلةَ: كِنايةٌ عنِ المُجامَعةِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 22). اللَّيلةَ؟ قال: نَعَم، قال: اللهُمَّ بارِكْ لهما. فولَدَت غُلامًا، قال لي أبو طَلحةَ: احفَظْه حتَّى تَأتيَ به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتى به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأرسَلَت مَعَه بتَمَراتٍ، فأخَذَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أمعه شَيءٌ؟ قالوا: نَعَم، تَمَراتٌ، فأخَذَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمَضَغَها، ثُمَّ أخَذَ مِن فيه، فجَعَلها في في [28] في في الصَّبيِّ: أي: في فَمِه. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (8/ 252). الصَّبيِّ، وحَنَّكه [29] تَحنيكُ الصَّبيِّ عِندَ الوِلادةِ: هو أن يَمضُغَ تَمرةً يَدلُكُ بها حَنَكَه، ويوضَعُ مِنها في فَمِه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (7/ 81). به، وسَمَّاه عَبدَ اللَّهِ)) [30] أخرجه البخاري (5480) واللَّفظُ له، ومسلم (2144). .
وفي رِوايةٍ: ((فقالت لي أُمِّي: يا أنَسُ، لا يُرضِعُه أحدٌ حتى تغدوَ به على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أصبح احتمَلْتُه فانطلَقْتُ به إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فصادَفْتُه ومعه مِيسَمٌ [31] المِيسَمُ: الحَديدةُ التي تَسِمُ بها الدَّوابَّ، تَترُكُها في النَّارِ حتَّى تَحمى ثُمَّ تَسِمُها بها. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 369، 370). ، فلمَّا رآني قال: لعلَّ أمَّ سُلَيمٍ ولَدَت؟ قُلتُ: نعم، فوضَعَ المِيسَمَ، قال: وجئتُ به فوضَعْتُه في حِجرِه، ودعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَجوةٍ من عجوةِ المدينةِ، فلاكها في فيه حتى ذابت، ثمَّ قذَفَها في في الصَّبيِّ، فجَعل الصَّبيُّ يتلمَّظُها [32] يَتَلمَّظُ، أي: يُحَرِّكُ لسانَه ليَتَتَبَّعَ ما في فمِه مِن آثارِ التَّمرِ، والتَّلمُّظُ واللَّمظُ فِعلُ ذلك باللِّسانِ، يَقصِدُ به فاعِلُه تَنقيةَ الفَمِ مِن بَقايا الطَّعامِ، وكذلك ما على الشَّفتَينِ، وأكثَرُ ما يُفعَلُ ذلك في شَيءٍ يَستَطيبُه، واسمُ ما يَبقى في الفمِ مِن أثَرِ الطَّعامِ: لُماظةٌ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 21)، ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 271)، ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 123). ، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: انظُروا إلى حُبِّ الأنصارِ التَّمرَ! قال: فمَسَح وجهَه وسَمَّاه عبدَ اللهِ)) [33] أخرجها مُسلم (2144). .
3- عن أنَسِ بنِ مالكٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وُلدَ لي اللَّيلةَ غُلامٌ، فسَمَّيتُه باسِم أبي إبراهيمَ)) [34] أخرجه البخاري (1303) بنحوه، ومسلم (2315) واللَّفظُ له. .
4- عن أبي بُردةَ، عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((وُلدَ لي غُلامٌ، فأتَيتُ به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَمَّاه إبراهيمَ، فحَنَّكَه بتَمرةٍ، ودَعا له بالبَرَكةِ، ودَفعَه إليَّ))، وكان أكبَرَ وَلَدِ أبي موسى [35] أخرجه البخاري (5467) واللَّفظُ له، ومسلم (2145). .
5- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أُتيَ بالمُنذِرِ بنِ أبي أُسيدٍ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ وُلدَ، فوضَعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على فَخِذِه، وأبو أُسَيدٍ جالِسٌ، فلَهِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشَيءٍ بَينَ يَدَيه، فأمر أبو أُسَيدٍ بابنِه فاحتُمِل مِن على فَخِذِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأقلَبوه، فاستَفاقَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أينَ الصَّبيُّ؟ فقال أبو أُسَيدٍ: أقلَبناه يا رَسولَ اللهِ. قال: ما اسمُه؟ قال: فلانٌ يا رَسولَ اللهِ، قال: لا، ولكِنِ اسمُه المُنذِرُ. فسَمَّاه يَومَئِذٍ المُنذِرَ)) [36] أخرجه البخاري (6191)، ومسلم (2149) واللَّفظُ له. .
قال عِياضٌ: (قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: « ... وسَمَّاه عَبدَ اللَّهِ»... وذَكَرَ أيضًا في حَديثِ أبي موسى: «وُلدَ لي غُلامٌ فأتَيتُ به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَمَّاه إبراهيمَ، وحَنَّكه بتَمرةٍ»، وفي حَديثِ سَهلٍ: «أنَّه سَمَّى وَلَدَ أبي أُسيدٍ: المُنذِرَ»: في هذا كُلِّه جَوازُ التَّسَمِّي بالأسماءِ الحَسَنةِ والصَّحيحةِ المَعنى... وأنَّ قَولَه: «أحَبُّ الأسماءِ إلى اللهِ: عَبدُ اللَّهِ، وعَبدُ الرَّحمَنِ» [37] أخرجه مسلم (2132) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُه: ((إنَّ أحَبَّ أسمائِكُم إلى اللهِ عَبدُ اللهِ وعَبدُ الرَّحمَنِ)). غَيرُ مانِعٍ مِنَ التَّسميةِ بغَيرِ ذلك؛ إذ لوِ اقتَصَرَ النَّاسُ على التَّسميةِ بذلك وشِبهِه لاشتَبَهَتِ الأسامي، ولم يَقَعِ التَّمييزُ والتَّعارُفُ التي لأجلِها وُضِعَت...
وفيه جَوازُ تَسميةِ المَولودِ حينَ يولدُ) [38] ((إكمال المعلم)) (7/ 22). .

انظر أيضا: