فوائِدُ ومَسائِلُ:
1- عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (مَن عَلِمَ مِن أخيه مُروءةً جَميلةً فلا يَسمَعَنَّ فيه مَقالاتِ الرِّجالِ، ومَن حَسُنَت عَلانيَتُه فنَحنُ لسَريرَتِه أرجى)
[120] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 260، 261). .
2- قال الغَزاليُّ: (كُلُّ مَن حُمِلَت إليه النَّميمةُ وقيلَ لَه: إنَّ فلانًا قال فيكَ كَذا وكَذا، أو فعَلَ في حَقِّكَ كَذا، أو هو يُدَبِّرُ في إفسادِ أمرِكَ، أو في مُمالَأةِ عَدوِّكَ، أو تَقبيحِ حالِكَ، أو ما يَجري مَجراه، فعليه سِتَّةُ أُمورٍ:
الأوَّلُ: ألَّا يُصَدِّقَه؛ لأنَّ النَّمَّامَ فاسِقٌ، وهو مردودُ الشَّهادةِ؛ قال اللَّهُ تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات: 6] .
الثَّاني: أن ينهاه عن ذلك وينصَحَ له، ويُقَبِّحَ عليه فِعلَه؛ قال اللَّهُ تعالى:
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان: 17] .
الثَّالِثُ: أن يُبغِضَه في اللَّهِ تعالى؛ فإنَّه بغيضٌ عِندَ اللَّهِ تعالى، ويجِبُ بُغضُ من يُبغِضُه اللَّهُ تعالى.
الرَّابعُ: ألَّا تظُنَّ بأخيك الغائِبِ السُّوءَ؛ لقَولِ اللَّهِ تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ [الحجرات: 12] .
الخامِسُ: ألَّا يحمِلَك ما حُكِيَ لك على التَّجسُّسِ والبَحثِ لتُحَقِّقَ؛ اتباعًا لقَولِ اللَّهِ تعالى:
وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] .
السَّادِسُ: ألَّا ترضى لنفسِك ما نهَيتَ النَّمَّامَ عنه، ولا تحكيَ نميمَتَه؛ فتقولَ: فلانٌ قد حكى لي كذا وكذا، فتكونَ به نمَّامًا ومُغتابًا، وقد تكونُ قد أتيتَ ما عنه نَهَيتَ.
وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ أنَّه دَخَل عليه رجُلٌ، فذَكَر عِندَه رجُلًا، فقال له عُمَرُ: (إن شِئتَ نظَرْنا في أمرِك، فإن كُنتَ كاذِبًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ:
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] ، وإن كُنتَ صادِقًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ:
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11] ، وإن شِئتَ عَفَونا عنك. فقال: العَفوُ يا أميرَ المُؤمِنينَ، لا أعودُ إليه أبَدًا. وذُكِرَ أنَّ حَكيمًا مِنَ الحُكَماءِ زارَه بَعضُ إخوانِه فأخبَرَه بخَبَرٍ عن بَعضِ أصدِقائِه، فقال لَه الحَكيمُ: قد أبطَأتَ في الزِّيارةِ وأتَيتَ بثَلاثِ جِناياتٍ: بَغَّضتَ أخي إليَّ، وشَغَلتَ قَلبي الفارِغَ، واتَّهمتَ نَفسَكَ الأمينةَ. ورُوِيَ أنَّ سُلَيمانَ بنَ عَبدِ المَلِكِ كان جالِسًا وعنده الزُّهريُّ، فجاءه رجُلٌ فقال له سُليمانُ: بلغني أنَّك وقَعْتَ فيَّ، وقُلتَ كذا وكذا. فقال الرَّجُلُ: ما فعَلْتُ ولا قُلتُ. فقال سُلَيمانُ: إنَّ الذي أخبرني صادِقٌ، فقال له الزُّهريُّ: لا يكونُ النَّمَّامُ صادِقًا. فقال سُلَيمانُ: صدَقْتَ، ثمَّ قال للرَّجُلِ: اذهَبْ بسَلامٍ.
وقال الحَسَنُ: مَن نَمَّ إليكَ نَمَّ عليكَ، وهذا إشارةٌ إلى أنَّ النَّمَّامَ يَنبَغي أن يُبغَضَ ولا يُوثَقَ بقَولِه ولا بصَداقَتِه، وكَيف لا يُبغَضُ وهو لا يَنفَكُّ عنِ الكَذِبِ والغِيبةِ والغَدرِ والخيانةِ والغِلِّ والحَسَدِ والنِّفاقِ والإفسادِ بَينَ النَّاسِ والخَديعةِ، وهو مِمَّن يَسعَونَ في قَطعِ ما أمَرَ اللَّهُ به أن يوصَلَ ويُفسِدونَ في الأرضِ، وقال تعالى:
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى: 42] ، والنَّمَّامُ مِنهم...
ورُويَ عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا سَعى إليه برَجُلٍ، فقال لَه: يا هذا، نَحنُ نَسألُ عَمَّا قُلتَ، فإن كُنتَ صادِقًا مَقَتناكَ، وإن كُنتَ كاذِبًا عاقَبناكَ، وإن شِئتَ أن نُقيلَكَ أقَلْناكَ، فقال: أقِلْني يا أميرَ المُؤمِنينَ. وقيلَ لمُحَمَّدِ بنِ كَعبٍ القُرَظيِّ: أيُّ خِصالِ المُؤمِنِ أوضَعُ لَه؟ فقال: كَثرةُ الكَلامِ، وإفشاءُ السِّرِّ، وقَبولُ قَولِ كُلِّ أحَدٍ. وقال رَجُلٌ لعَبدِ اللَّهِ بنِ عامِرٍ، وكان أميرًا: بَلَغَني أنَّ فُلانًا أعلَمَ الأميرَ أنِّي ذَكَرتُه بسوءٍ، قال: قد كان ذلك، قال: فأخبِرْني بما قال لَكَ حتَّى أُظهِرَ كَذِبَه عِندَكَ، قال: ما أُحِبَّ أن أشتِمَ نَفسي بلِساني، وحَسبي أنِّي لم أُصَدِّقْه فيما قال، ولا أقطَعُ عنكَ الوِصالَ
وذُكِرَتِ السِّعايةُ عِندَ بَعضِ الصَّالِحينَ فقال: ما ظَنُّكُم بقَومٍ يُحمَدُ الصِّدقُ مِن كُلِّ طائِفةٍ مِنَ النَّاسِ إلَّا مِنهم، وقال مُصعَبُ بنُ الزُّبَيرِ: نَحنُ نَرى أنَّ قَبولَ السِّعايةِ شَرٌّ مِنَ السِّعايةِ؛ لأنَّ السِّعايةَ دَلالةٌ، والقَبولَ إجازةٌ، ولَيسَ مَن دَلَّ على شَيءٍ فأخبَرَ به كَمَن قَبِلَه وأجازَه؛ فاتَّقوا السَّاعيَ، فلَو كان صادِقًا في قَولِه لَكان لَئيمًا في صِدقِه؛ حَيثُ لم يَحفَظِ الحُرمةَ ولَم يَستُرِ العَورةَ، والسِّعايةُ هيَ النَّميمةُ إلَّا أنَّها إذا كانت إلى مَن يُخافُ جانِبُه سُمِّيَت سِعايةً...
ودَخَلَ رَجُلٌ على سُلَيمانَ بنِ عَبدِ المَلِكِ فاستَأذَنَه في الكَلامِ وقال: إنِّي مُكَلِّمُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ بكَلامٍ فاحتَمِلْه إن كَرِهتَه؛ فإنَّ وراءَه ما تُحِبُّ إن قَبِلتَه، فقال: قُلْ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنينَ، إنَّه قدِ اكتَنَفكَ رِجالٌ ابتاعوا دُنياكَ بدينِهم، ورِضاكَ بسَخَطِ رَبِّهم، خافوكَ في اللهِ ولَم يَخافوا اللَّهَ فيكَ؛ فلا تَأمَنْهم على ما ائتَمَنَكَ اللَّهُ عليه، ولا تُصِخْ إليهم فيما استَحفظَكَ اللَّهُ إيَّاه؛ فإنَّهم لَن يَألوا في الأُمَّةِ خَسفًا، وفي الأمانةِ تَضييعًا، والأعراضِ قَطعًا وانتِهاكًا، أعلى قُربِهمُ البَغيُ والنَّميمةُ، وأجَلُّ وسائِلِهمُ الغِيبةُ والوقيعةُ، وأنت مَسؤولٌ عَمَّا أجرَموا ولَيسوا المَسؤولينَ عَمَّا أجرَمتَ، فلا تُصلِحْ دُنياهم بفسادِ آخِرَتِكَ؛ فإنَّ أعظَمَ النَّاسِ غَبنًا مَن باعَ آخِرَتَه بدُنيا غَيرِه.
وسَعى رَجُلٌ بزيادٍ الأعجَمِ إلى سُلَيمانَ بنِ عَبدِ المَلِكِ فجَمَع بَينَهما للموافقةِ فأقبَلَ زيادٌ على الرَّجُلِ، وقال:
فأنتَ امرُؤٌ إمَّا ائتَمَنتُكَ خاليًا
فخُنتَ وإمَّا قُلتَ قَولًا بلا عِلمِ
فأنتَ مِنَ الأمرِ الذي كان بَينَنا
بمَنزِلةٍ بَينَ الخيانةِ والإثمِ
وقال لُقمانُ لابنِه: يا بُنَيَّ، أوصيك بخِلالٍ، إن تمسَّكْتَ بهِنَّ لم تَزَلْ سَيِّدًا: ابسُطْ خُلُقَك للقريبِ والبعيدِ، وأمسِكْ جَهْلَك عن الكريمِ واللَّئيمِ، واحفَظْ إخوانَك، وصِلْ أقارِبَك، وآمِنْهم من قَبولِ قَولِ ساعٍ، أو سماعِ باغٍ يريدُ فَسادَك، ويَرومُ خِداعَك، وليَكُنْ إخوانُك مَن إذا فارَقْتَهم وفارقوك لم تَعِبْهم ولم يَعيبوك)
[121] ((إحياء علوم الدين)) (3/ 156-158).