موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: المُحافظةُ على المالِ العامِّ


يَجِبُ على الرَّئيسِ الحِفاظُ على المالِ الذي هو مُستَخلَفٌ فيه، فلا يَتَصَرَّفُ فيه إلَّا وَفقَ ما هو مَوضوعٌ لَه، دونَ إسرافٍ أو تَبذيرٍ أو تَبديدٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن خَولةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ رِجالًا يتخَوَّضون في مالِ اللهِ بغَيرِ حَقٍّ، فلَهمُ النَّارُ يَومَ القيامةِ)). [74] أخرجه البخاري (3118).
2-عن خَولةَ بنتِ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، مَن أصابَه بحَقِّه بُورِكَ لَه فيه، ورُبَّ مُتَخَوِّضٍ فيما شاءَت به نَفسُه مِن مالِ اللَّهِ ورَسولِه ليس له يومَ القيامةِ إلَّا النَّارُ)) [75] أخرجه الترمذي (2374) واللفظ له، وأحمد (27124) وأصله في صحيح البخاري (3118) مختصرًا، ولفظُه: عن خَولةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ)). .
3- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ألَّا كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه؛ فالأميرُ الذي على النَّاسِ راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والرَّجُلُ راعٍ على أهلِ بَيتِه وهو مَسؤولٌ عنهم، والمَرأةُ راعيةٌ على بَيتِ بَعلِها ووَلَدِه وهيَ مَسؤولةٌ عنهم، والعَبدُ راعٍ على مالِ سَيِّدِه وهو مَسؤولٌ عنه، ألَّا فكُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رَعيَّتِهـ)) [76] أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829) واللَّفظُ له. .
4-عنِ الشَّعبيِّ، قال: حَدَّثَني كاتِبُ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ، قال: كَتَبَ مُعاويةُ إلى المُغيرةِ، اكتُبْ إليَّ بشَيءٍ سَمِعتَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَتَبَ إليه أنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ اللهَ كَرِهَ لكم ثلاثًا: قِيلَ وقال، وإضاعةَ المالِ، وكَثرةَ السُّؤالِ)) [77] أخرجه البخاري (1477)، ومسلم (593) واللَّفظُ له. .
وإضاعةُ المالِ صَرفُه في غَيرِ حِلِّه، وبَذلُه في غَيرِ وَجهِه المَأذونِ فيه شَرعًا، أو تَعريضُه للفسادِ، واللَّهُ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ، أوِ السَّرَفُ في إنفاقِه بالتَّوسُّعِ في لَذيذِ المَطاعِمِ والمَشارِبِ، ونَفيسِ المَلابِسِ والمَراكِبِ، وتَمويهِ السُّقوفِ، ونَحوِ ذلك، وقد نَهى سُبحانَه عنِ التَّبذيرِ، وأرشَدَ إلى حُسنِ التَّدبيرِ [78] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 227). ، فقال: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء: 29] .
قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: «وإضاعةَ المالِ» فهيَ على وُجوهٍ جِماعُها الإسرافُ في النَّفقةِ، ووَضعُه في غَيرِ مَوضِعِه، وصَرفُه عن وَجهِ الحاجةِ إلى غَيرِه، كالإسرافِ في النَّفقةِ على البناءِ، ومُجاوزةِ حَدِّ الاقتِصادِ فيه، وكذلك اللِّباسُ والفُرُشُ، وتَمويهُ الأبنيةِ بالذَّهَبِ، وتَطريزُ الثِّيابِ، وتَذهيبُ سُقوفِ البَيتِ؛ فإنَّ ذلك على ما فيه مِنَ التَّزَيُّنِ والتَّصَنُّعِ إذا استُعمِل مَرَّةً لم يُمكِنْ بَعدَ ذلك تَخليصُه وإعادَتُه إلى أصلِه حتَّى يَكونَ مالًا قائِمًا.
ومِن إضاعةِ المالِ: تَسليمُه إلى مَن ليسَ برَشيدٍ، وفيه إثباتُ الحَجرِ على المُفسِدِ لمالِه.
ويَدخُلُ في إضاعةِ المالِ احتِمالُ الغَبنِ في البياعاتِ ونَحوِها مِنَ المُعامَلاتِ.
ومِن إضاعةِ المالِ: سوءُ القيامِ على ما تَملِكُه مِنَ المالِ، كالرَّقيقِ والدَّوابِّ ونَحوِها، التي إذا لم تَتَعَهَّدْها ضاعَت، ويَدخُلُ في النَّهيِ عن إضاعةِ المال قِسمةُ ما لا يَنتَفِعُ به الشَّريكُ القاسِمُ إذا تَفرَّدَ نصيبُه، كاللُّؤلُؤةِ والسَّيفِ والحَمامِ والطَّاحونةِ ونَحوِها مِنَ الأشياءِ؛ فإنَّ القِسمةَ في جَميعِها باطِلةٌ؛ لأنَّها إضاعةٌ للمالِ، غَيرُ مُفيدةٍ نَفعًا، ولا مُثمِرةٍ خَيرًا...
وقد يُحتَمَلُ أن يُتَأوَّلَ مَعنى إضاعةِ المالِ على العَكسِ مِمَّا تَقدَّمَ ذِكرُه مِنَ الوُجوهِ، بأن يُقالَ: إنَّ إضاعةَ المالِ حَبسُه عن حَقِّه، والبُخلُ به عن أهلِهـ) [79] ((أعلام الحديث)) (2/ 808-810). .

انظر أيضا: